دراسه في تاريخ شعر القلطه والمحاوره
حتى الان لم نحصل على مايثبت انطلاقة فن المحاوره تاريخيا , الا ان جميع الروايات وما حفظ من بيوت الشعر تفيد انه قديم العهد , ومن اقدم ماعثرنا عليه هذه الابيات بالفصحى بين الشاعر عبيد بن الاربص وبين امروء القيس والشاعرين من شعراء المعلقات , وحسب ماذكر المصدر ان المحاوره تمت بوجود مجموعتين من الناس كل مجموعه تناصر احد الشاعرين وبالنهايه يعلن المتفوق والمجموعتان هنا لايقوما بترديد البيت بطريقة الغناء كما هو الحال الان بل واجبهم التمتع بالتحليل ويجوز انه بعد حين من الدهر فضلوا ان يغنى البيت الى ان يأتي الشاعر بالبيت الاخر وذلك لاضفاء المتعه وطرد الوجوم والملل اذ قال عبيد يسأل :
مالسود والبيض والاسماء واحدة * لايستطيع لهن الناس تمساسا
فأجاب امروء القيس :
تلك السحاب اذا الرحمن ارسلها * روى بها من محول الارض ايباسا
فقال عبيد :
ماالحاكمون بلا سمعٍ ولا بصرٍ * ولا لسانٍ فصيحٍ يعجب الناسا
فأجاب امروء القيس :
تلك الموازين والرحمن انزلها * رب البرية بين الناس مقياسا
هذا وقد نما فن المحاوره في الحجاز ونجد واخذ ينتشر شيئاً فشيئاً حتى شمل منطقة الخليج العربي , وبات فنا مرغوبا يحظى بقاعده جماهيريه عريضه من المتذوقين والنقاد , واتوقع انه سيواصل رحلته الى ماتبقى من مساحة الوطن العربي , اذا لقي اهتماماً اعلامياً ولا اقول هذا من باب المبالغه او التمني , وانما وجدت في بعض شعرائه الحاليين القدره على إيصاله وتعميمه لما يمتمعون به من ثقافه وعلم لم تحكمهم لهجات معيّنه اقليمية المفهوم , بل يستطيعون تقديمه بلسان عربي وبإسلوب عصري يتسنى للمتلقي استيعابه وفهمه والاستمتاع به , ومن خلال تتبعنا لأطوار المحاوره ومسيرتها التنمويه , يتضح لنا انها مرت بثلاث مراحل من الاسلوب والطرح القلطوي , اي ان الموضوعات التي يتناولها الشعراء فيما بينهم ,فالمراحل الثلاث هي ما أطلقنا عليها التسميات التاليه :
1 / مرحلة الطرح القبلي المباشر
2 / مرحلة الطرح القبلي الرمزي
3 / مرحلة الطرح الاجتماعي الرمزي
.
.
نأتي بها تبعاً وكما يعلم الجميع ان المحاوره خرجت من رحم قبلي ولما كان الشعراء ألسنه أقوامهم واعلامهم الرسمي , فمن الطبيعي ان تكون معظم محاوراتهم تتحدث عن شئون القبيله في ظل الظروف التي يعيشونها والاجواء المشحونه بالصراعات القبليه ,فالواقع يملي عليهم التفاخر بالانساب وإظهار ماحصلوا عليه من امجاد وماثر ونشر مساؤي الطرف الاخر , ونلتمس لهم العذر في زمانهم , فالمرحله الاولى - كما اشرنا إليها انفا - مرحلة الطرح القبلي المباشر , فنورد منها هذا النموذج , فهذه محاوره بين اربعة شعراء معروفين وهم ( صقر النصافي وسليمان بن شريم ومرشد البذال وجمعان بن حظينه رحمهم الله جميعاً ) وكان استهلال الوسيمه اي البيت الاول من صقر النصافي اذ يقول مخاطباً سليمان بن شريم :
الليله الملعب حضربه من لعب
----------------- والفرق عند اللي تماثيله تبين
أحد تماثيله مثل نقد الذهب
----------------- واحد كما البيزات خدرات الدنين
فرد عليه سليمان :
ياصقر راى العرف فكاك النشب
---------------- والعرف مايعرض على اللى عارفين
النار تالع بالدقاق من الحطب
---------------- والعرف مايعرض على اللي عارفين
فشارك جمعان مخاطباً الشاعر الكبير مرشد البذال بقوله:
يامرشد أبشر بالندامه والتعب
--------------- أنا قبيلك والجماعه شاهدين
ترى الوعد مابيننا صلف الندب
--------------- جنب عن الحله ترانا غايرين
فرد عليه مرشد البذال
حنا هل العطفه معدلة الصعب
--------------- ياللي تمنانا ترانا حاضرين
ماخبر ياجمعان فكيت الحسب
--------------- باللعب والا بالمراجل منت شين
فرد جمعان على مرشد
ياخال هذي كلمتي صارت نشب
--------------- علماً يثارى فيه من طرل السنين
ترى الولد مايجذبه كود النسب
--------------- وأنتم خوالي وذهبوا يالذاهبين
فرد مرشد:
كم واحد مجناه طيب وأخترب
-------------- عاتب نصيبك لاتعم المسلمين
الخال عود من هذولاك العرب
-------------- مايبتلي كان البنيخي فاسدين
فهذا الطرح واضح ولا يعتريه أي غموض في الاسلوب أو المعنى فأوردنا هذه الابيات للتدليل على المباشره والوضوح فقط , وتجنبنا كثير من الابيات ذات الرؤوس النوويه كي لايتهمنا البعض بإننا دعاة ظلام نحث الناس على الافتتان ونحببهم بالعنصريه .
المرحله الثانيه, وأما المرحله الثانيه فبعد أن ألف الله بين قلوب ابناء القبائل وأصبحوا بنعمه اخواناً وسارت أفواج القبائل تحت لواء المدينه وبدأت المصالح المشتركه والعلاقات الاجتماعيه كالجيره والزماله وما الى ذلك , وهذه الامور من شانها ان تحول الولاء والانتماء من القبليه الى الوطن والشعب وهذا افراز طبيعي , ومن هذا بدأت المرحله الثانيه والتي اسميناها مرحلة ( الطرح القبلي الرمزي ) ففي خضم هذا الاندماج اخذ بعض الشعراء يشعر بحرج من اثارة المواضيع القبليه على النمط القديم فادخلوا الرمزيه المتعارف عليها عند معشر القلطه المدفون او الغطو تفادياً للاحراج فالمرحله الثانيه الغت جسد المرحله الاولى وأحتفظت بروحها , فنأخذ منها هذه العينه وهي أيضاً بين الشاعرين سليمان بن شريم وصقر النصافي ..
والبدايه من سليمان أذ يقول ..
الاياصقر ياصقر الندم يامرخي الجنحان
---------------------- يمرن الحباري بالمخالب ماتدميها
عليهن من نفانيف الغوى من سوق أبن رشدان
---------------------- نفانيف على الموده جديدات مطاويها
فرد صقر النصافي ..
أنامانيب طيرمايصيد الصيد ياسليمان
---------------------- يبات بجوع والجنحان بالتكفيخ يوذيها
أناظر لين أشوف اللي تسر القلب والاعيان
---------------------- وابادرها بمخلاب مقره في ثناديها
فرد سليمان :
نطحني مركب الجر من يحده مركب السلطان
--------------------- عساكرها تراطن والمكاين سوها فيها
فرد صقر النصافي:
توقع لا تضيعك الهدوم ولمحة الزيلان
--------------------- مجاهيم شعرها ما يغطي روس اذانيها
وكما اسلفنا نحن نتجنب ذكر الابيات القبليه الحساسه ولهذا اخترنا هذه الابيات للتدليل على الرمزيه والتوريه التي انتهجها شعراء المرحله الثانيه ,ونفهم من هذه المحاوره ان ( الحباري ) ليست المتعارف عليها بل المقصود حباري من نوع اخر فيتجلى لنا من قول صقر النصافي ( مجاهيم ) ان هذه الحبارى غرابيب اللون وذوات شعور قصيره ولاتغطى رؤوس الاذان .
واما المرحله الثالثه التي اسميناها مرحلة ( الطرح الاجتماعي الرمزي ) فمن الشعراء الذين تميزوا بها الشاعرين العلمين ( عبدالله المسعودي ومطلق الثبيتي ) رحمة الله عليهما وبعض من زاملهما من الشعراء ورغم ان بداية عبدالله المسعودي سبقت بداية مطلق الثبيتي بيد ان الثبيتي استطاع ان يلحق به ويتقاسم معه مهمه هذه المرحله على قدم وساق وبعد وفاة عبدالله المسعودي انفرد مطلق الثبيتي بقيادة شعراء هذه المرحله فهؤلاء الشعراء لم يرتضوا لفن المحاوره ان يبقى مسرحاً قبلياً محضا لايقدم من خلاله الا مايدمى القلوب ويوقظ الفتن ويولد الضغائن , وهذه الامور لاتعود على المجتمع الا بالمزيد من التنافر والاحقاد وهذه امراض فتاكه من شأنها اضعاف الاراده الجماعيه وشل حركة العمل الجماعي وحفظ الوازع الوطني بل اراد هؤلاء الشعراء لفن المحاوره ان يكون مسرحاً عاماً يقدم من خلاله مايطرب المسامع ويثير الاعجاب فبحق ان المرحله الثالثه تعد نقله نوعيه مهمه في عالم المحاوره التي مازلنا ندور في فلكها حتى الان الا ان هذه النقله رافقها عدم استيعاب من قبل السواد الاعظم من جمهور القلطه حيث ان التغير حصل عند الشعراء فسروا بإنفسهم بقطع من الوعي الى ارض اجمل نباتاً وأعذب ماء وانقى هواء من الارض التي وجدوا عليها هذا الفن ولم تعد صالحه للزراعه دون علم الجمهور فبقى الكثير من الناس قاطنين على آبار عاد وثمود القديمه والتي لم يعد بها ( لذه ) للشاربين وظل عالق في ذهنه التنابز بالالقاب والطعن في الانساب ولا نلومهم كثيراً , وهذه مشكله لازال يعاني منها الشعراء كما ان هذه النقله التطويريه لم يسلط عليها الضوء الاعلامي الكافي كالمقاولات الصحفيه او الدراسات من خلال الكتب والمحاضرات بإماكن مختلفه قد تلحق الجمهور بالشعراء فكرياً ونتمنى ذلك وفي ثنايا هذه المرحله التمسنا من بعض الشعراء أنهم اتو ا بأسلوب مبتكر في طريقه النقض والفتل بالاحتواء والاسقاط غالباً مايكون تاريخياً كأسم لشخص أو لنبات أو لجماد أو لأي مخلوق اَخر بشرط أن يكون معروفاً لدي الكثير من الناس , وهذا يتطلب من المتلقي أن يكون مطلقاً ولديه معلومات عامه لتمكنه من بلوغ مايهدف اليه الشاعر وليكن معلومات أن الاسقاط يستخدم نقضاً وفتلاً ولنتابع قول مطلق الثبيتي يرحمه الله رداً على الشاعر المعروف صياف الحربي في أحد المحاورات ..
أذ يقول صياف :
أنا اشوف الثبيتي كل ليه يطلع السكين
-------------------- ويخفيها ليامني قعدت أفتش احزامي
فرد مطلق رحمه الله::
الاياسرع ماهونت ياراكان ابن حثلين
------------------- بعد مزريت تطلع دلوك اللي يروي الضامي
والاسقاط التاريخي هنا هو الشيخ والفارس المعروف راكان بن حثلين شيخ قبيلة العجمان , فحتما ان المتلقى الذي لم تكن لديه حصيله عن تاريخ الشيخ راكان بن حثلين لايستطيع حتى تحديد اتجاه البيت فضلا عن انه لايدرك مايرمى اليه الشاعر الثبيتي وللتنبيه فأنه لايصح تحديد هدف او موضوع الطاروق من خلال تحليل بيت او بيتين منه بل بمتابعته كاملاً وذلك اشمل وادق لاتضاح الرؤيه والمثال الثاني كان بين الشاعرين حبيّب العازمي وذيب الشمري من محاوره طويله اتى هذا البيت من اوسطها من ذيب الشمري اذ يقول :
مادام البرمكي يحيي وكيل وللخليفه خال
------------------- تبي تغليه قادات السرايا والفداويه
فرد الشاعر حبيب العازمي
أنا والله ماعرف البرمكي صالح ولابطال
------------------- لكن الطيبه فيها من الرحمن ماريه
والاسقاط التاريخي هنا خالد بن يحيي البرمكي وزير بني اميه وخال هارون الرشيد وليس هو المقصود بالبيت بل المقصود شخص اخر , واما الاحتواء كما اسميناه فلا يأتي عن طريق النقض فحينى يقوم الشاعرين المتحاورين بفتح موضوع ببيت من الشعر ولم يرغب الشاعر الاخر ان يخوض في ذلك الموضوع لسبب ما , فأن طبق قاعدة الجزاء من جنس العمل قد يتأزم الموقف وتكون عاقبته غير محموده . وان تجاهل البيت يخشى ان يقال انه لم يتمكن من الرد فأنه قد اتاه الله شيئاً من الحكمه والمعرفه والمقدره الشعريه فيختار الاحتواء والاحتواء يعني ابطال مفعول البيت واغلاق باب الموضوع وليس قطع الطاروق بل الطاروق قد يستمر بطرق احد الشاعرين موضوعاً اخر على نفس الطاروق والمثال على ذلك من محاوره بين الشاعر والمعلم الفاضل احمد الناصر الشايع والشاعر رشيد الزلامي جاءت الوسيمه من احمد الناصر اذ يقول :
على ذبح الزلامي ترى ابا اوصي عيالي
----------------بعد شفته مشى طرق ماهي مستقيمه
ومن المعتاد ان يأتي الرد على مثل هذا البيت يوحى انك لن تستطيع قتلي فنلاحظ كيف كسر القاعده رشيد الزلامي واحتواء هذا البيت فقال رشيد الزلامي:
قضيت العمر غالي عساك تموت غالي
-----------------ماداعي بإخر العمر تفعل لك جريمه
فيليق بنا الوقوف عند هذا البيت الذي ظاهره الرحمه وباطنه العذاب فظاهره انك قد عشت عمراً طويلاً وعزيزاً عندي فمن غير المعقول عند الكبر تقتل صديقك وتذهب الى النار , وباطن هذا البيت انك لن تجرؤ على قتل احد وانت في عنفوان شبابك واكتمال قوتك فكيف عند الهرم نصدق انك ستتحول الى سفاح صاحب قلب قاس يجرؤ على القتل , والمثال الثاني للاحتواء بين الشاعر الكبير مفرح الظمني المطيري رحمة الله عليه والشاعر رجا الله الحربي رحمة الله عليه والبدايه من رجا الله يقول :
دوروا لمفرح الظمني رجل يكفل عياله
---------------بذبحه واريّح العربان من شره وخيره
فنلاحظ كيف احتوى مفرح الظمني هذا البيت برد صاعق اذ يقول رد مفرح الظمني رحمة الله عليه على رجا الله الحربي:
انت لو تذبح نبيّك حالتك ماهي بحاله
---------------يفضحونك بالكويت ويفضحونك بالجزيره
هذا مااردنا ذكره بإختصار شديد عن المراحل الثلاثه التي مر بها الطرح القلطوي على حد معلوماتنا ..........
بقلم:
الشاعر ذيب الشمري
منقول...للفائدة
حتى الان لم نحصل على مايثبت انطلاقة فن المحاوره تاريخيا , الا ان جميع الروايات وما حفظ من بيوت الشعر تفيد انه قديم العهد , ومن اقدم ماعثرنا عليه هذه الابيات بالفصحى بين الشاعر عبيد بن الاربص وبين امروء القيس والشاعرين من شعراء المعلقات , وحسب ماذكر المصدر ان المحاوره تمت بوجود مجموعتين من الناس كل مجموعه تناصر احد الشاعرين وبالنهايه يعلن المتفوق والمجموعتان هنا لايقوما بترديد البيت بطريقة الغناء كما هو الحال الان بل واجبهم التمتع بالتحليل ويجوز انه بعد حين من الدهر فضلوا ان يغنى البيت الى ان يأتي الشاعر بالبيت الاخر وذلك لاضفاء المتعه وطرد الوجوم والملل اذ قال عبيد يسأل :
مالسود والبيض والاسماء واحدة * لايستطيع لهن الناس تمساسا
فأجاب امروء القيس :
تلك السحاب اذا الرحمن ارسلها * روى بها من محول الارض ايباسا
فقال عبيد :
ماالحاكمون بلا سمعٍ ولا بصرٍ *** ولا لسانٍ فصيحٍ يعجب الناسا
فأجاب امروء القيس :
تلك الموازين والرحمن انزلها *** رب البرية بين الناس مقياسا
هذا وقد نما فن المحاوره في الحجاز ونجد واخذ ينتشر شيئاً فشيئاً حتى شمل منطقة الخليج العربي , وبات فنا مرغوبا يحظى بقاعده جماهيريه عريضه من المتذوقين والنقاد , واتوقع انه سيواصل رحلته الى ماتبقى من مساحة الوطن العربي , اذا لقي اهتماماً اعلامياً ولا اقول هذا من باب المبالغه او التمني , وانما وجدت في بعض شعرائه الحاليين القدره على إيصاله وتعميمه لما يمتمعون به من ثقافه وعلم لم تحكمهم لهجات معيّنه اقليمية المفهوم , بل يستطيعون تقديمه بلسان عربي وبإسلوب عصري يتسنى للمتلقي استيعابه وفهمه والاستمتاع به , ومن خلال تتبعنا لأطوار المحاوره ومسيرتها التنمويه , يتضح لنا انها مرت بثلاث مراحل من الاسلوب والطرح القلطوي , اي ان الموضوعات التي يتناولها الشعراء فيما بينهم ,فالمراحل الثلاث هي ما أطلقنا عليها التسميات التاليه :
1 / مرحلة الطرح القبلي المباشر
2 / مرحلة الطرح القبلي الرمزي
3 / مرحلة الطرح الاجتماعي الرمزي
نأتي بها تبعاً وكما يعلم الجميع ان المحاوره خرجت من رحم قبلي ولما كان الشعراء ألسنه أقوامهم واعلامهم الرسمي , فمن الطبيعي ان تكون معظم محاوراتهم تتحدث عن شئون القبيله في ظل الظروف التي يعيشونها والاجواء المشحونه بالصراعات القبليه ,فالواقع يملي عليهم التفاخر بالانساب وإظهار ماحصلوا عليه من امجاد وماثر ونشر مساؤي الطرف الاخر , ونلتمس لهم العذر في زمانهم , فالمرحله الاولى - كما اشرنا إليها انفا - مرحلة الطرح القبلي المباشر , فنورد منها هذا النموذج , فهذه محاوره بين اربعة شعراء معروفين وهم ( صقر النصافي وسليمان بن شريم ومرشد البذال وجمعان بن حظينه رحمهم الله جميعاً ) وكان استهلال الوسيمه اي البيت الاول من صقر النصافي اذ يقول مخاطباً سليمان بن شريم :
الليله الملعب حضربه من لعب
والفرق عند اللي تماثيله تبين
أحد تماثيله مثل نقد الذهب
واحد كما البيزات خدرات الدنين
فرد عليه سليمان :
ياصقر راى العرف فكاك النشب
والعرف مايعرض على اللى عارفين
النار تالع بالدقاق من الحطب
والعرف مايعرض على اللي عارفين
فشارك جمعان مخاطباً الشاعر الكبير مرشد البذال بقوله:
يامرشد أبشر بالندامه والتعب
أنا قبيلك والجماعه شاهدين
ترى الوعد مابيننا صلف الندب
جنب عن الحله ترانا غايرين
فرد عليه مرشد البذال
حنا هل العطفه معدلة الصعب
ياللي تمنانا ترانا حاضرين
ماخبر ياجمعان فكيت الحسب
باللعب والا بالمراجل منت شين
فرد جمعان على مرشد
ياخال هذي كلمتي صارت نشب
علماً يثارى فيه من طرل السنين
ترى الولد مايجذبه كود النسب
وأنتم خوالي وذهبوا يالذاهبين
فرد مرشد:
كم واحد مجناه طيب وأخترب
عاتب نصيبك لاتعم المسلمين
الخال عود من هذولاك العرب
مايبتلي كان البنيخي فاسدين
فهذا الطرح واضح ولا يعتريه أي غموض في الاسلوب أو المعنى فأوردنا هذه الابيات للتدليل على المباشره والوضوح فقط , وتجنبنا كثير من الابيات ذات الرؤوس النوويه كي لايتهمنا البعض بإننا دعاة ظلام نحث الناس على الافتتان ونحببهم بالعنصريه .
المرحله الثانيه, وأما المرحله الثانيه فبعد أن ألف الله بين قلوب ابناء القبائل وأصبحوا بنعمه اخواناً وسارت أفواج القبائل تحت لواء المدينه وبدأت المصالح المشتركه والعلاقات الاجتماعيه كالجيره والزماله وما الى ذلك , وهذه الامور من شانها ان تحول الولاء والانتماء من القبليه الى الوطن والشعب وهذا افراز طبيعي , ومن هذا بدأت المرحله الثانيه والتي اسميناها مرحلة ( الطرح القبلي الرمزي ) ففي خضم هذا الاندماج اخذ بعض الشعراء يشعر بحرج من اثارة المواضيع القبليه على النمط القديم فادخلوا الرمزيه المتعارف عليها عند معشر القلطه المدفون او الغطو تفادياً للاحراج فالمرحله الثانيه الغت جسد المرحله الاولى وأحتفظت بروحها , فنأخذ منها هذه العينه وهي أيضاً بين الشاعرين سليمان بن شريم وصقر النصافي ..
والبدايه من سليمان أذ يقول ..
الاياصقر ياصقر الندم يامرخي الجنحان
يمرن الحباري بالمخالب ماتدميها
عليهن من نفانيف الغوى من سوق أبن رشدان
نفانيف على الموده جديدات مطاويها
فرد صقر النصافي ..
أنامانيب طيرمايصيد الصيد ياسليمان
يبات بجوع والجنحان بالتكفيخ يوذيها
أناظر لين أشوف اللي تسر القلب والاعيان
وابادرها بمخلاب مقره في ثناديها
فرد سليمان :
نطحني مركب الجر من يحده مركب السلطان
عساكرها تراطن والمكاين سوها فيها
فرد صقر النصافي:
توقع لا تضيعك الهدوم ولمحة الزيلان
مجاهيم شعرها ما يغطي روس اذانيها
وكما اسلفنا نحن نتجنب ذكر الابيات القبليه الحساسه ولهذا اخترنا هذه الابيات للتدليل على الرمزيه والتوريه التي انتهجها شعراء المرحله الثانيه ,ونفهم من هذه المحاوره ان ( الحباري ) ليست المتعارف عليها بل المقصود حباري من نوع اخر فيتجلى لنا من قول صقر النصافي ( مجاهيم ) ان هذه الحبارى غرابيب اللون وذوات شعور قصيره ولاتغطى رؤوس الاذان .
واما المرحله الثالثه التي اسميناها مرحلة ( الطرح الاجتماعي الرمزي ) فمن الشعراء الذين تميزوا بها الشاعرين العلمين ( عبدالله المسعودي ومطلق الثبيتي ) رحمة الله عليهما وبعض من زاملهما من الشعراء ورغم ان بداية عبدالله المسعودي سبقت بداية مطلق الثبيتي بيد ان الثبيتي استطاع ان يلحق به ويتقاسم معه مهمه هذه المرحله على قدم وساق وبعد وفاة عبدالله المسعودي انفرد مطلق الثبيتي بقيادة شعراء هذه المرحله فهؤلاء الشعراء لم يرتضوا لفن المحاوره ان يبقى مسرحاً قبلياً محضا لايقدم من خلاله الا مايدمى القلوب ويوقظ الفتن ويولد الضغائن , وهذه الامور لاتعود على المجتمع الا بالمزيد من التنافر والاحقاد وهذه امراض فتاكه من شأنها اضعاف الاراده الجماعيه وشل حركة العمل الجماعي وحفظ الوازع الوطني بل اراد هؤلاء الشعراء لفن المحاوره ان يكون مسرحاً عاماً يقدم من خلاله مايطرب المسامع ويثير الاعجاب فبحق ان المرحله الثالثه تعد نقله نوعيه مهمه في عالم المحاوره التي مازلنا ندور في فلكها حتى الان الا ان هذه النقله رافقها عدم استيعاب من قبل السواد الاعظم من جمهور القلطه حيث ان التغير حصل عند الشعراء فسروا بإنفسهم بقطع من الوعي الى ارض اجمل نباتاً وأعذب ماء وانقى هواء من الارض التي وجدوا عليها هذا الفن ولم تعد صالحه للزراعه دون علم الجمهور فبقى الكثير من الناس قاطنين على آبار عاد وثمود القديمه والتي لم يعد بها ( لذه ) للشاربين وظل عالق في ذهنه التنابز بالالقاب والطعن في الانساب ولا نلومهم كثيراً , وهذه مشكله لازال يعاني منها الشعراء كما ان هذه النقله التطويريه لم يسلط عليها الضوء الاعلامي الكافي كالمقاولات الصحفيه او الدراسات من خلال الكتب والمحاضرات بإماكن مختلفه قد تلحق الجمهور بالشعراء فكرياً ونتمنى ذلك وفي ثنايا هذه المرحله التمسنا من بعض الشعراء أنهم اتو ا بأسلوب مبتكر في طريقه النقض والفتل بالاحتواء والاسقاط غالباً مايكون تاريخياً كأسم لشخص أو لنبات أو لجماد أو لأي مخلوق اَخر بشرط أن يكون معروفاً لدي الكثير من الناس , وهذا يتطلب من المتلقي أن يكون مطلقاً ولديه معلومات عامه لتمكنه من بلوغ مايهدف اليه الشاعر وليكن معلومات أن الاسقاط يستخدم نقضاً وفتلاً ولنتابع قول مطلق الثبيتي يرحمه الله رداً على الشاعر المعروف صياف الحربي في أحد المحاورات ..
أذ يقول صياف :
أنا اشوف الثبيتي كل ليه يطلع السكين
ويخفيها ليامني قعدت أفتش احزامي
فرد مطلق رحمه الله::
الاياسرع ماهونت ياراكان ابن حثلين
بعد مزريت تطلع دلوك اللي يروي الضامي
والاسقاط التاريخي هنا هو الشيخ والفارس المعروف راكان بن حثلين شيخ قبيلة العجمان , فحتما ان المتلقى الذي لم تكن لديه حصيله عن تاريخ الشيخ راكان بن حثلين لايستطيع حتى تحديد اتجاه البيت فضلا عن انه لايدرك مايرمى اليه الشاعر الثبيتي وللتنبيه فأنه لايصح تحديد هدف او موضوع الطاروق من خلال تحليل بيت او بيتين منه بل بمتابعته كاملاً وذلك اشمل وادق لاتضاح الرؤيه والمثال الثاني كان بين الشاعرين حبيّب العازمي وذيب الشمري من محاوره طويله اتى هذا البيت من اوسطها من ذيب الشمري اذ يقول :
مادام البرمكي يحيي وكيل وللخليفه خال
تبي تغليه قادات السرايا والفداويه
فرد الشاعر حبيب العازمي
أنا والله ماعرف البرمكي صالح ولابطال
لكن الطيبه فيها من الرحمن ماريه
والاسقاط التاريخي هنا خالد بن يحيي البرمكي وزير بني اميه وخال هارون الرشيد وليس هو المقصود بالبيت بل المقصود شخص اخر , واما الاحتواء كما اسميناه فلا يأتي عن طريق النقض فحينى يقوم الشاعرين المتحاورين بفتح موضوع ببيت من الشعر ولم يرغب الشاعر الاخر ان يخوض في ذلك الموضوع لسبب ما , فأن طبق قاعدة الجزاء من جنس العمل قد يتأزم الموقف وتكون عاقبته غير محموده . وان تجاهل البيت يخشى ان يقال انه لم يتمكن من الرد فأنه قد اتاه الله شيئاً من الحكمه والمعرفه والمقدره الشعريه فيختار الاحتواء والاحتواء يعني ابطال مفعول البيت واغلاق باب الموضوع وليس قطع الطاروق بل الطاروق قد يستمر بطرق احد الشاعرين موضوعاً اخر على نفس الطاروق والمثال على ذلك من محاوره بين الشاعر والمعلم الفاضل احمد الناصر الشايع والشاعر رشيد الزلامي جاءت الوسيمه من احمد الناصر اذ يقول :
على ذبح الزلامي ترى ابا اوصي عيالي
بعد شفته مشى طرق ماهي مستقيمه
ومن المعتاد ان يأتي الرد على مثل هذا البيت يوحى انك لن تستطيع قتلي فنلاحظ كيف كسر القاعده رشيد الزلامي واحتواء هذا البيت فقال رشيد الزلامي:
قضيت العمر غالي عساك تموت غالي
ماداعي بإخر العمر تفعل لك جريمه
فيليق بنا الوقوف عند هذا البيت الذي ظاهره الرحمه وباطنه العذاب فظاهره انك قد عشت عمراً طويلاً وعزيزاً عندي فمن غير المعقول عند الكبر تقتل صديقك وتذهب الى النار , وباطن هذا البيت انك لن تجرؤ على قتل احد وانت في عنفوان شبابك واكتمال قوتك فكيف عند الهرم نصدق انك ستتحول الى سفاح صاحب قلب قاس يجرؤ على القتل , والمثال الثاني للاحتواء بين الشاعر الكبير مفرح الظمني المطيري رحمة الله عليه والشاعر رجا الله الحربي رحمة الله عليه والبدايه من رجا الله يقول :
دوروا لمفرح الظمني رجل يكفل عياله
بذبحه واريّح العربان من شره وخيره
فنلاحظ كيف احتوى مفرح الظمني هذا البيت برد صاعق اذ يقول رد مفرح الظمني رحمة الله عليه على رجا الله الحربي:
انت لو تذبح نبيّك حالتك ماهي بحاله
يفضحونك بالكويت ويفضحونك بالجزيره
هذا مااردنا ذكره بإختصار شديد عن المراحل الثلاثه التي مر بها الطرح القلطوي على حد معلوماتنا ..........
بقلم:
الشاعر ذيب الشمري
منقول...للفائدة
عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0
التعليقات على المقالة 1
سعودي اصيل31/8/2013