ملهي الرعيان
- القصص والروايات
- 13/8/2013
- 2361
في جاهلية العرب، كان طير «المكاء» - وهو نوع من انواع الهدد - مقدسا عند قريش، ويقال انهم بنوا صنما لهذا الطائر على الصفا والمروة، لانهم كانوا يؤمنون بأن هذا الطائر كان يضرب برجليه الأرض بحثا عن الماء بالقرب من النبي اسماعيل، عندما كانت هاجر تجري ما بين الصفا والمروة بحثا عن الماء - ولاسباب اخرى ليس المجال لذكرها - كان عرب الجاهلية يصفرون مقلدين هذا الطائر المقدس عندما كانوا يطوفون حول الكعبة، كنوع من الصلاة!
لهذا الطائر مسمى آخر، فهو يعرف عند قبائل العرب باسم «ملهي الرعيان»، فهذا الطائر يقفز في مشيته وقليل الطيران، وعندما يشاهده الراعي يظن بانه سهل الصيد، فيلحقه ليصطاده، يظل مؤملا نفسه بصيد الطائر طوال النهار دون جدوى، والانكى من ذلك ان ماشيته تضيع في الصحراء، بعد ان يلهي نفسه بملاحقة «المكاء»!
«ملهي الرعيان» في حالتنا هي السياسة، فهي ملهية الرعيان من الشباب الذين يتصورون بان الدنيا بدأت بالسياسة، وتنتهي بالسياسة، وكان احدهم يقول انها مؤامرة استعمارية «فهم يلهون الناس بالسياسة حتى يبعدوهم عن السياسة»، وبلد كله ساسة، يختفي الفنان والمطرب والمهندس والطبيب واللاعب والنجار والحداد... لان اللاعب سيلعب سياسة، والممثل سيمثل سياسة، والمطرب سيغني سياسة، والطبيب سيعالج سياسة!
انصح الشباب، اياكم والسياسة فانها ملهاة لكم، تخيل أنك ستعيش عمرك تلاحق «فلان قال، وفلان رد عليه، النائب صرح، والنائب استجوب»، ستجد نفسك في اخر العمر وحيدا، مع كميات كبيرة من تاريخ المزيفين والنصابين والمتسلقين على ظهرك، وستجد على جدار العمر شعارات وآمالا ونظريات بائدة، ستجد نفسك في آخر العمر تنتظر معجزة تصلح الواقع، بعد ان يجلس اليأس بقربك في الحديقة و أنت تطعم الطيور والحمام أنت في العشرين من العمر، لو تفتح مطعما صغيرا في زاوية ما لبيع الفلافل، بعد عشرين سنة قد تصبح صاحب اشهر سلسلة مطاعم، وقد تخترع نوعا جديدا من الفلافل، لو تبيع بطيخا في الشارع لعله بعد عشرين سنة، تشتري الشارع، والبيوت المطلة عليه، لو تكتب صفحة واحدة في اليوم، بعد عشرين سنة قد تصبح اديبا تعلق جائزة نوبل في مكتبك، وحتى لو تهتم وتدرس وتبحث في اسرار «البريعصي» الذي يسير على جدار بيتك لمدة عشرين سنة، قد تنقذ البشرية من خلال دواء تستخلصه من هذا الكائن... وحتى لو لم تصل القمة، ففي النهاية انجزت شيئا مفيدا لنفسك وليس لغيرك، وهتفت لذاتك المبدعة لا لغيرك، ومشيت بدربك ولم تسر خلف غيرك... اما اذا كنت مصرا على ملاحقة السياسة واهلها، وجعلها كل همك، متصورا نفسك «هنري كسينجر»... فلن تصل الا الى واد غير ذي زرع تلاحق طائر المكاء، وتلتفت خلفك عبر سنوات العمر التي رحلت متحسرا... الرعيان قد يعودون ويجمعون ماشيتهم، اما انت فكيف ستجمع سنوات عمرك!