العب يا ولد
- مفالات صحفيه (منقوله)
- 15/5/2013
- 1857
- منقول للكاتب مشعل السديري- جريدة الشرق الاوسط
ثبت عمليا أن العرب - حتى على مستوى المثقفين - من أتعس عباد الله في رقي النقاش الهادف الموصل إلى نتيجة، وقد فضحت ثقافتهم الهزيلة في هذا المجال (المحطات الفضائية)، وما يجري في داخل المنازل والمجالس والأندية أشد وأكثر.
وقد ذهبت إلى المجلس الأسبوعي لأحدهم، وكان هدفي من الذهاب بالدرجة الأولى هو المشاركة في تناول وجبة العشاء، حيث إن لديه طباخا فنانا يعرف كيف يجعلك تأكل أصابعك مع السليق الذي يطبخه.
كانت الصالة كبيرة ومكتظة، وانقسم فيها القوم إلى قسمين، الجالسون على الكراسي بعضهم يتفرجون على التلفزيون وبعضهم يتناقشون، والقسم الثاني هم القاعدون على الأرض، بعضهم يشربون (الشيشة) وبعضهم يلعبون (البلوت).
وانضممت أنا تلقائيا للقسم الأول من الجالسين على الكراسي يتناقشون، وظللت طوال الوقت مستمعا أصبر نفسي انتظارا لساعة (الصفر) - أي إلى ساعة الانطلاق إلى المائدة.
وخرجت بالملاحظات التالية: كان أحد المتناقشين رجلا سمينا وخفيف ظل وعقل، وكثير الحركة، وأشبه ما يكون بـ(الأراغوز)، ولا شك أنه أضحك الجميع بتعليقاته، ولكن كثرة ثرثرته أفسدت عليه خفة دمه، ومن غبائه أنه لم يعرف متى يتكلم ومتى يصمت. ومعلوم أن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده.
والآخر لا حديث له إلا بالشكوى من ظروفه وصحته وزوجته و(ورعانه).
والثالث، لا يتعب من المعارضة والتصدي لكل رأي، ولا يترك المجال لأي متحدث أن يكمل كلامه، وينسى الحقيقة المؤكدة والقائلة: لكي تؤثر في الناس تأثيرا طيبا، دعهم يؤثرون فيك أولا.
والرابع، هوايته تغيير دفة الحديث دائما، وإذا كان موضوع النقاش سياسيا قلبه رأسا على عقب إلى الحديث عن (فورميولا وان) أو مسابقات (الغولف). وإذا احتدم النقاش بالأحكام الفقهية، دخل بالعرض ليتحدث عن (Arab Idol)، وكيف أنه من الظلم أن (هيفا وهبي) لم تكن من لجنة التحكيم، إلى درجة أنه التفت إلي وأنا الجالس بجانبه وسألني: بالله عليك، هيا قل لي: مين أحلى هيفا والا أحلام؟! ودون أن أجيبه مططت له (براطيمي) دلالة أنني لا أعرف.
أما الخامس فهو الرجل الذي حسدته، لأنه كان أشبه ما يكون بـ(أبو الهول) مع الكثير من النعاس والفرقعات وهز الرأس.
أما السادس فقد سبق لي أن ذكرته، وذلك عندما لاحظت أثناءها أن البرنامج التلفزيوني يستعيد الرحلة الفضائية للقمر، فتكلمت لأول مرة قائلا له وهو يلعب (الكوتشينة): انظر يا فلان للمركبة التي سوف تهبط على القمر.
فوضع الرجل الورق من يديه على الأرض، وأخذ يتأمل الشاشة قليلا ثم أشار لرواد الفضاء قائلا: الحقيقة أنهم (فاضين)، ما عندهم غير هذا؟! وش لهم ووش للقمر حتى يطلعونه؟! لا حول ولا قوة إلا بالله.
وبعد ذلك أخذ الورق مرة ثانية ورفع صوته عاليا وهو يقول: العب يا ولد، (صن)، (حكم)، (400).
وكل هذه المصطلحات التي ذكرها لا أفقه فيها شيئا.