من يستحق لقب مثقف
- العادات والتقاليد الثقافه والتراث
- 11/4/2013
- 1683
- منقول للكاتبه ثريا العريض جريدة الجزيره
حالما نسمع كلمة ثقافة ومثقف يبدأ الخلاف على ما هي الثقافة ومن يستحق لقب مثقف? كثيرون يرون الثقافة قوتا فكريا والمثقف من يقدم أطباقا متخصصة النوعية والمذاق. وبهذا نتقبل أن هناك ثقافة غربية وثقافة شرقية وثقافة إسلامية وثقافة عربية نختار منها ما نصفق له. ولكني أرى أن الأمر الأهم لا يتعلق بالتصنيف والأرشفة, بل يتعلق - بين خياري التصفيق والتعزير - بقرار ريادة الفعل على أرض الواقع.
لاشك أن معظمنا مرت به تفاصيل تجربة أجراها باحثون في علم النفس: حكاية قفص القرود والموزة المعلقة التي يتطلب الوصول إليها تسلق سلم موجود مسبقا لكن بمجرد أن يبدأ أي قرد تسلق السلم نحو الموزة المغرية تندلق على الجميع مياه مثلجة. وسرعان ما ربط القرود بين التسلق وتيار المياه الباردة, ثم توصلوا إلى ضرورة منع أي قرد من الاقتراب من السلم كي لا تطالهم العقوبة. وتحول الوضع أنه كلما اقترب قرد من السلم انهالوا عليه ضربا وردعوه عن التسلق. وحين تعلم الجميع تجاهل إغواء الموزة وإغراء السلم تجنبا للضرب, لم يعد هناك اندلاق للمياه. بعدها أزال فريق التجربة الموزة وأوقف دلق المياه ولكن ظلت القرود تضرب كل من يقترب من السلم، ثم استُبدِل قردٌ قديم ممن مروا بتجربة الموزة والمياه, بقردٍ جديد لا يعلم عنها شيئا؛ وسرعان ما تعلم بتكرر الضرب أن يتجنب السلم, بل ويشارك في ضرب من يقترب منه. تواصل استبدال القرود حتى لم يبق هناك من يتذكر الموزة أو المياه؛ ولكن ظلت ممارسة الجميع ردع الاقتراب من السلم وضرب من يقترب منه.
هذا أوضح تعريف لمعنى ثقافة: تعلم سلوك حضاري راق حتى لو جاء مناقضا لغريزة فطرية. التركيز هنا على «راقي» وليس ذلك محصوراً بقراءة الكتب أو متابعة خطيب منبري، بل تعلم الفعل السائد وتقليده دون تساؤل: لماذا نمارس هذا الفعل مخالفة لدوافع الغريزة؟
وحين نتكلم عن الثقافة ودور المثقف والمثقفة نتعثر من البداية بعقبة حقيقية في التفاهم, وهي أننا نتعامل مع أطر ومصطلحات وكليشيهات متداولة ولكنها لا تحدد السبب من الممارسة ولا حتى اختلاف المحتوى بين الفئات. ونحن في كل الأحوال نتداولها ونربطها بأدوار مجتمعية متوقعة نمارسها بالتقليد وليس الريادة.
ولكن اختلافنا كأفراد وفئات بشرية في تحديد معناها يضعنا لاحقا في مأزق الاختلاف على تجسيدها فعلا ممارسا وليس تنظيرا لإبهار الآخرين أو لمتعة التأمل الفكري. وينتهي الأمر بالتناقض والفصام بين ما يمارس سرا وما يمارس علنا. باحث إعلامي سألني مؤخرا دون أن يلاحظ ممارسته للغة النخبوية التي التصقت شكلياً بتصنيف المثقف: «تعتري المجتمعات الثقافية في الوطن العربي، والسعودية على وجه التحديد، ضبابية في توجيه نمطية الريادة الفكرية، بين المثقف والمجتمع، فمن يضطلع بعملية المثاقفة؟ ومن يرود؟ المجتمع أم المثقف؟ ناهيك عن كيف يقاوم المثقف سلطة المجتمع؟ في ظل أن المجتمع بات مشعراً لصناعة النجم، وكيف من الممكن أن يجابه المثقفات والمثقفون، ثقافة المجتمع؟ وهل سيضطرون قصرا لتصدير مواقف لا تعنيهم وتكون عاكسةً لنبض الشارع؟»
أسئلة مهمة ومصيرية جاءت بلغة لن يتفاعل معها من القراء المتلقين عبر الصحافة إلا من صنفه السائل قارئا «مثقفا»؟ وما الفائدة من حوار ينشر أو يبث لايهم إلا نخبة أو فئة معروفة التوجه والتفضيل؟
لا أقصد هنا أن نحول كل إعلامنا إلى أطروحات نخبوية تكتب في بروج عاجية؛ ولا أن تقتصر على ما يتابعه الأغلبية من أخبار نجوم المجتمع حول العالم لأن ثقافة تتبع المباريات والممثلات والمنابر هي ما يهم الغالبية. تلك أيضا ثقافة لا تحتاج إلا للتحفز تصفيقا.
أستطيع أن اختصر فأقول: إننا لكي نتطور بحاجة إلى تغيير ثقافة الشارع إلى الممارسة وليس تأكيد الإعجاب بدون ممارسة الفعل.
التصفيق له وعليه.. ولكن ما نحتاجه هو ثقافة الممارسة الواعية.