مهايطي زمانه
- مفالات صحفيه (منقوله)
- 29/3/2013
- 1909
- منقول للكاتب عبدالله الحارثي - جريدة عكاظ
تحزن عندما تستمع لشاب في مقتبل العمر، يتحدث عن كل شيء، في السياسة والاقتصاد والمال وإدارة الأعمال وتخطيط المدن والرقابة والثورات العربية، يبحر في كل المجالات، باختصار شديد «مهايطي».
الحزن لا يكمن في أنك تنصت إليه، بل تشفق عليه، وتتألم لواقعه، عندما تكتشف يوما تلو الآخر أنه مصاب بمرض «الهياط»، وحاله كحال الكثيرين ممن يعانون من النقص المركب، ويسعون للظهور بمناسبة ومن غيرها.
تارة ينصب نفسه خبيرا بمجريات الكون، وكأنه عالم ذرة أو رائد فضاء، وتارة يتحول إلى مصلح اجتماعي واختصاصي نفسي، حيث يتفرغ لشرح واقع الحياة ومعضلات الوزارات والبنى التحتية ويتطرق إلى مشكلات الأسر والمعوقات الاجتماعية، طارحا الحلول الإصلاحية وكأنه أفضل خلق الله إنسانا.
تتعجب وأنت تستمع لشخص أقل ما يمكن أن يصف نفسه بأنه «عبقري زمانه»، محلل في الرياضة والأسهم، وناقد في الفن والثقافة، وباحث في السياسة، وطبيب ماهر، وخبير في كل شيء، يبث «هياطه» وأكاذيبه دون خجل أو تردد، دون كلل أو ملل، دائما جاهز للرد والإجابة على كل سؤال وفي كل مجلس، وينخرط في كل حديث «مع الخيل يا شقراء».
أحيانا يجد من يجاريه في الحوار والنقاش، بعضهم ينهره ويحاول تصحيح مفاهيمه الخاطئة، وآخرون أيقنوا أنه يغرد خارج السرب، كونه يعاني من النقص المركب، ولذلك يسايرونه من باب التسلية، والاستماع إلى آخر صيحات «الهياط»، وما يدعو للغرابة أن «المهايطي» يرى كل شيء أمامه يحتاج إلى اجتثاث ومعالجة، وتبقى عليه أن ينصب نفسه ممثلا لكل الوزارات والهيئات على مستوى العالم؛ لأنه يمتلك الحلول السحرية، وأتوقع من كثرة «هياطه» أن ينهي أزمة الشعب السوري ويزيح بشار الأسد من على كرسي الرئاسة.
استمعت له كثيرا ضمن عشرات من الحضور في مناسبات عدة، ووجدته يبحر في عالم آخر ويتخصص في قدح الآخرين وإلصاق التهم بهم، وكأنه منزه في مجال عمله دون أخطاء يرتكبها، وأجزم أنه يتعرض للزجر المفرط والتهكم والاستهزاء، مما جعله أكثر إحساسا بالضعف ونشأت فيه مركبات النقص والجهل؛ إذ أنه جاهل ويجهل أنه جاهل بل ويصر على جهله.
سألت أحد المقربين منه، فأطلق ابتسامة عريضة، وأخبرني أن حالته ميؤوس منها ونصحني أن «أسمع من أذن وأفرغ من الثانية»، فلم أصغ إلى ما قاله، بل عمدت إلى معرفة ما أصابه، ووصلت في نهاية المطاف إلى أنني أدور في حلقة مفرغة، ذكرته بالمقولة: «إذا أردت أن تعيش سعيداً، فلا تحلل كل شيء، ولا تفسر كل شيء، ولا تدقق في كل شيء، فالذين حللوا الألماس وجدوه فحماً»، لعله يتعظ، فعندما تحاول إعادته ومن هم على شاكلته إلى جادة الصواب، تجدهم يتعنتون في آرائهم، ويسطحون آراء الآخرين، ويستميتون في الدفاع عن مقترحاتهم وهم لا يعلمون شيئا عن مجريات الأحداث، فأنت لا تملك عندها إلا أن تشفق عليهم وتنصت لأطروحاتهم العبقرية، وتدعو لهم بالهداية، للتخلص من هذا الوباء الذي استشرى في حياتهم.
تحزن على واقع هؤلاء، كيف يفكرون، وكيف يعيشون، وقد يدفعك الفضول إلى معرفة من يكونون ولماذا هم يكذبون، ويوهمون من حولهم بأنهم الأعرف ببواطن الأمور، وحتما تصعق عندما تقف على واقعهم، وتجد أنهم أناس هامشيون في الحياة بمجملها.
هذه الفئة وبالذات ممن أصيبوا بداء «الهياط» الفرد فيها بحاجة إلى حلبة مصارعة، يقضي فيها جل وقته ليتصارع مع نفسه لكي يتخلص من النقص الطاغي على حياته، فإما يقودها إلى هاوية الضياع أو يعود بها إلى جادة الصواب.