«منى» تترجم لغات العالم
- القسم الاسلامي
- 28/10/2012
- 1853
- المشاعر المقدسة، تحقيق- هاني اللحياني -صحيفة الرياض
"لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ".. لم نملك إلاّ أن نردد هذه الآية الكريمة ونحن ندلف إلى مخيم يضم أكثر من (90) حاجاً من (40) جنسية، اجتمعوا على موائد التعليم والحوار والثقافة والتعارف، بل إن منسق المخيم أصدر دليلاً يضم العناوين الهاتفية والبريدية للأعضاء المتواجدين، إلاّ أن الموقف الأكثر تأثيراً عندما رصدنا دموع بعض الحجاج تنساب وهم يودعون بعضهم البعض لحظة مغادرتهم المخيم، وقد تبادلوا العناوين وعبارات التوديع التي تفيض بمشاعر الأخوة، هذه الملامح جزئية من العلاقة الحميمة التي تركها الركن الخامس بين أوساط الحجيج داخل الخيام ومساكن الحجاج، حيث تمتد شبكات التعارف، وتتبادل الثقافات والخبرات والأعمال، وتتوثق عرى الصداقة.
وشهدت "مخيمات منى" تأسيس علاقات بين الحجاج، على اختلاف جنسياتهم وبلدانهم، فوجودهم في مخيم واحد، جعلهم ك"الأخوة"، وك"الأُسرة الواحدة"، يجتمعون وقت الإفطار، ويلتقون أثناء رمي الجمرات، وفي المساء تحلو الجلسات والنقاشات، أيام لن ينساها كل من عاش تلك اللحظات بكافة تفاصيلها، وما الدموع التي تشهدها المخيمات في ختام الحج، إلاّ دلالة أكيدة على ذلك.
وتتحول مكة المكرمة والمشاعر المُقدسة في الحج إلى خلية نحل، حيث تشهد توافد رموز الفكر والثقافة من كل أصقاع العالم الإسلامي لأداء مناسك الحج والعمرة، من خلال المناسبات التي تقيمها الجهات الحكومية مثل وزارة الحج، والثقافة والإعلام، والشؤون الإسلامية، ومؤسسات الطوافة، ورابطة العالم الإسلامي، وبقية المؤسسات الخيرية، وهو ما يزيد من توهج الثقافة والفكر والتعليم.
حجاج يسيرون كالأسرة الواحدة نحو الجمرات
تمازج الثقافات
وقال "صالح بن صديق كوشك" -أمضى 50 عاماً في خدمات الحجاج-: إن الحج مظلة واسعة لتمازج الثقافات والتقاليد والعادات واللغات، بل وحتى الأطعمة والمشروبات، حيث تجتمع قوافل حجاج أكثر من (180) دولة يتحدثون بأكثر من تسعين لغة.
وأوضح "فريد بن محمد حافظ" -مطوف- أن الحج فضاء واسع لتعلم اللغات، خاصةً المفردات الخاصة بالتعامل اليومي، فضلاً عن عقد صفقات تجارية كبيرة من خلال ما يجلبه الحجاج من بضائع من داخل أوطانهم في رحلة الحج.
صالونات أدبية
واستطاعت "الصالونات الأدبية" في مكة المكرمة أن "تُبرّد" من حرارة ليالي الحج، عبر حراك ثقافي، ومن خلال أمسيات الشهر الحرام، الذي يُعد فترة مهمة لتحريك مياه الصالونات عامةً.
وأشار "د.عبد العزيز سرحان" -صاحب صالون أدبي- إلى أن مكة المكرمة في الحج تتحول إلى خلية نحل، حيث تشهد توافد رموز الفكر والثقافة من كل أصقاع العالم الإسلامي لأداء مناسك الحج والعمرة، مضيفاً أن المناسبات التي تقيمها الجهات الحكومية مثل وزارة الحج، والثقافة والإعلام، والشؤون الإسلامية، ومؤسسات الطوافة، ورابطة العالم الإسلامي، وبقية المؤسسات الخيرية، إلى جانب استضافتها لحجاج بيت الله، كل ذلك يزيد من توهج الثقافة والفكر والتعليم.
مدارس ليلية
وقال "د.أحمد البناني"-أستاذ في كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى سابقاً-: إن ثمة تبادلاً ثقافياً وعلمياً كبيراً يشبع ذائقة المهتمين والباحثين وطالبي العلم في ليالي الحج، حيث تشهد المخيمات حالات واضحة من الحراك، من خلال جولات الدعاة المشهورين وأهل العلم والفكر، لتتحول منى إلى "صالونات مفتوحة"، ومدارس ليلية وصباحية ومعاهد متعددة في طلب العلم والثقافة.
وذكر "سعيد الحارب" -حاج من عُمان- أن أداء مناسك الحج مكّنه من تسجيل خبرات وتجارب دعوية وخيرية وتطوعية رائدة، رصدها في المملكة، حيث زار عدة جهات تطوعية وخيرية، وحصل على حقيبة العمل، مع تمكنه من شراء عشرات الكتب والأقراص المدمجة لكبار العلماء والدعاة.
أسماء معروفة
وإذا كانت المؤسسات الحكومية والخيرية تضطلع بدور كبير في إثراء الحركة العلمية والثقافية في مكة المكرمة والمشاعر، فإن ثمة صالونات أدبية خاصة في مكة المكرمة تعيش حالة من الحراك الواضح من خلال استضافة الوجود الدعوية والعلمية والثقافية، لتشعل ليالي مكة المكرمة بفتيل التعارف والحوارات المتنوعة.
وأوضح "د.محمد جميل خياط" -مؤسس صالون خاص بمكة المكرمة- أنه في ظل النشاط الملحوظ لعدد من الصالونات الفكرية بمكة، تبقى جملة من الأفكار المطروحة على طاولة وزارة الثقافة لدعم الحراك الفكري، لعل من جملتها تزويدها بكميات من الدروع والهدايا التذكارية والتقديرية التي تحمل شعار الوزارة، وكذلك التواصل معها بمنحها إصدارات الوزارة من المجلات، لتوزيعها على المرتادين، خاصةً وأن ثمة صالونات تستقطب أسماء فكرية معروفة من الخارج والداخل، مع أهمية حضور ممثلين من الوزارة لفعالياتها لمتابعة برامجها وإعداد التقارير عنها، والاعتراف الرسمي للوزارة بهذه المنتديات الفكرية، مع إصدار دليل تعريفي لأهم الصالونات بكل منطقة، تتضمن البطاقة التعريفية والعنوان، مبيناً أنه من المُهم تكليف محطات التلفزيون الحكومي بتغطية فعاليات الصالونات، لتوفير مواد منتجة يمكن أن تسهم في تحقيق رافد جديد للبرامج الفكرية، إضافةً إلى عرض المتميز من الفعاليات عبر القناة الرسمية، مع أهمية منح أوسمة من الوزارة للصالونات الفكرية التي ثبت تميزها ونجاحها، مُطالباً بتخصيص بطاقات خاصة لأصحاب الصالونات الفكرية.
إستراتيجية تربوية
وشدّد "د.خياط" على أهمية إطلاق اسم الصالونات الخاصة بدلاً من الأدبية، كون أن هذه الصالونات عادة ما يتنوع نشاطها من الطرح الاجتماعي إلى الدعوي والعلمي، بحيث تكون الخاصة الأقرب للتسمية.
ويشير تربويون إلى أن تبني إستراتيجية تربوية بين روّاد النشاط لهذه الصالونات بما يعزز قيمتها في نفوس الناشئة، ويشحذ هممهم نحو الاقتداء بالنماذج الرائعة التي تثري هذه الصالونات، كأن تنظم زيارات مجدولة لعدد محدود يتوافق مع مساحة المكان لأبرز الطلاب المهتمين بالشأن الثقافي والإعلامي، ولرصد الجو العلمي داخل هذه الصالونات، مشددين على أهمية تخصيص أركان لعرض أحدث الإصدارات لأصحاب الأقلام الفكرية ممن يتردد على هذه الصالونات، مع تخصيص أسبوع كل ثلاثة أشهر لعرض تجربة أحد الأعلام من الرموز الثقافية والفكرية.