ذكر الناس بما يكرهون

ذكر الناس بما يكرهون

 

لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

عن عائشة - رضي الله عنها - : قالت : قلتُ : يا رسول الله حَسْبُكَ من صفيّةَ قِصَرها، قال : «لقد قلتِ كلمة لو مُزِجَ بها البحر لَمَزَجَتْهُ»قالت: وحكيتُ له إِنسانا، فقال: «ما أحبّ أني حكيتُ إنسانا وأن لي كذا وكذا». أخرجه الترمذي، وأبو داود وانظر حديث رقم : 5140 في صحيح الجامع.

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «لما عُرِجَ بي مررتُ بقوم لهم أظْفَار من نُحاس يَخْمِشُون بها وجوهَهم وصُدورَهم فقلت: مَن هؤلاءِ يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحومَ الناس، ويقعون في أعراضهم». أخرجه أبو داود وانظر حديث رقم : 5213 في صحيح الجامع.

وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - : أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «إِن من أرْبى الرِّبا: الاستطالةُ في عِرْضِ المسلم بغير حق». أخرجه أبو داود وانظر حديث رقم : 2203 في صحيح الجامع.

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - : أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قالَ في مُؤمِنٍ مَا لَيسَ فيه أَسكْنَهُ اللَّه رَدغَةَ الْخبَالِ حتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قال». أخرجه أبو داود وانظر حديث رقم : 6196 في صحيح الجامع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:

(( فمن الناس من يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه وعشائره مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون، أو فيه بعض ما يقولون ؛ لكن يرى أنه لو أنكر عليهم قطع المجلس واستثقله أهل المجلس ونفروا عنه، فيرى موافقتهم من حسن المعاشرة وطيب المصاحبة، وقد يغضبون فيغضب لغضبهم فيخوض معهم .

ومنهم من يُخرج الغيبة في قوالب شتى:

تارة في قالب ديانة وصلاح فيقول: ليس لي عادة أن أذكر أحداً إلا بخير، ولا أحب الغيبة، ولا الكذب ؛ وإنما أخبركم بأحواله .

ويقول : والله إنه مسكين أو رجل جيد ؛ ولكن فيه كيت وكيت .

وربما يقول : دعونا منه الله يغفر لنا وله ؛ وإنما قصده استنقاصه وهضم لجانبه .

ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقا؛ وقد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا وأشباهه .

ومنهم من يرفع غيره رياء فيرفع نفسه فيقول: لو دعوت البارحة في صلاتي لفلان؛ لما بلغني عنه كيت وكيت ليرفع نفسه ويضعه عند من يعتقده .

أو يقول: فلان بليد الذهن قليل الفهم ؛ وقصده مدح نفسه وإثبات معرفته وأنه أفضل منه .

ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة والحسد .

وإذا أثنى على شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح أو في قالب حسد وفجور وقدح ليسقط ذلك عنه .

ومنهم من يخرج الغيبة في قالب تمسخر ولعب ليضحك غيرهباستهزائه ومحاكاته واستصغار المستهزأ به .

ومنهم من يخرج الغيبة في قالب التعجب فيقول تعجبت من فلان كيف لا يفعل كيت وكيت، ومن فلان كيف وقع منه كيت وكيت، وكيف فعل كيت وكيت، فيخرج اسمه في معرض تعجبه .

ومنهم من يخرج الاغتمام فيقول مسكين فلان غمني ما جرى له، وما تم له، فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف، وقلبه منطو على التشفي به، ولو قدر لزاد على ما به وربما يذكره عند أعدائه ليشتفوا به .

وهذا وغيره من أعظم أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقه .

ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول وقصده غير ما أظهر .

والله المستعان )).

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5