يخجلون من مهن أبائهم !!
- العادات والتقاليد الثقافه والتراث
- 13/9/2012
- 1613
الآباء يجتهدون في تربية أبنائهم على الفضيلة وحسن الخلق، ويبثون فيهم مع كل لحظة المبادئ والأخلاق والسلوكيات الحميدة، في المقابل هناك أبناء لا يعترفون بهذه المثل العليا؛ ويخجلون من مهن والديهم ويحرصون على إخفائها.
وهذا هو حال هبة محسن، الطالبة في الصف السابع، حيث كان وقع الخبر عليها بمثابة صدمة كبيرة لها، عندما علمت أنه تم نقل والدتها التي تعمل "آذنة"، إلى المدرسة التي تدرس بها.
أكثر ما يضايق هذه الطالبة، عندما يفتح باب الصف لتقوم والدتها بتغيير سلة القمامة أو الاتجاه إلى مكتب احدى الحمامات لتصادف والدتها تنظف فيه، والشعور الأكثر مرارة عندما تطلب طالبات من والدتها تنظيف الحمامات جيدا لاستخدامها.
فحالة هبة في بادئ الأمر كانت صعبة جدا، ووصلت إلى مرحلة ترفض الذهاب إلى المدرسة، وإثر موافقتها على الذهاب اشترطت على والدتها، أن لا تحدثها بتاتا، ولا حتى بالصدفة، حفاظا على مكانتها بين زميلاتها.
وتبدي هبة خجلها كثيرا من الأمر ليس بسبب عمل والدتها "بل لأني أعرف نظرة باقي الفتيات لي، كيف ستكون وأنهن سينظرن لي نظرة دونية، وبهذه الطريقة لن أستطيع أن افرض شخصيتي، مهما حدث كوني سأعاير دائما بمهنة والدتي"، كما تقول.
اعتبرت هبة، أن هذه السنة من أصعب السنوات التي مرت عليها وعلى والدتها، حتى انقضت ونقلت إلى مدرسة ثانية، مبينة أنها كانت "حزينة جدا" على مشاعر والدتها "لإنكاري لها"، غير أن هبة تبرر أنها لا تستطيع تحمل هذه النظرة ممن حولها، خصوصا عند معاقبة بعض الفتيات بالخروج لتنظيف الساحة وكأنها مذلة لهن.
حال ابراهيم اسعد، مغاير لما كانت عليه هبة، وبالرغم من أن والده كان يعمل مراسلا في إحدى الدوائر الحكومية، ويقوم بتوصيل الطلبات والأوراق وعمل الشاي والقهوة، إلا أنه لم يخجل يوما من ذلك، وكان يصر دائما على القول إن والده استطاع بـ"الفتات" أن يعلمه هو جميع اخوانه.
وبالرغم من استهزاءات بعض الموظفين أحيانا منه، والنظرة له بأنه أقل منهم، إلا أنه لم يأبه لذلك وحرص على وضع احترامه وكرامته فوق كل شيء، وفرضها على الجميع.
ويقول "لقد كنت أمام خيارين، إما انكار والدي طوال العمر والعيش في قالب مختلف، وهو أمر لا يستحقه والدي بعد كل ما فعله من أجلنا، أو أن أكون واثقا وأواجه الأمر، واخترت الأمر الثاني"، معتبرا أن المشكلة ليست بالعائلة أو بمهنة والده، إنما في الناس أنفسهم وثقافتهم المبنية على الطبقات.
يتناول الاختصاصي الاجتماعي د. حسين محادين، مثل هذه القضية من خلال بعدين؛ أولهما البعد الديني وهو جزء من ثقافة مجتمعنا، الذي يحض على العمل الشريف مهما كانت مكانته، وهو فرض وواجب على كل منّا، أما البعد الثاني فهو النظرة الاجتماعية فثمة تفضيلات للعمل في المجتمع.
ويشير إلى ان الدراسات أثبتت أن المكانة الاجتماعية للعمل في الاردن مرتبطة بثلاثة عناصر رئيسية؛ أولها أرقام هذا الدخل الآتية من العمل، ثانيها الألقاب التي تسبق الاسم، وثالثها السلطة التي يتمتع بها هذا الموظف.
ويوضح أن المكانة الاجتماعية تتدرج من الأعلى التي تحتوي على العناصر الثلاثة السابقة، وتقل نوعا ما، إذا احتوت على عنصرين فقط، وتضعف جدا إذا حصلت على عنصر واحد.
ولأن العمل هوية اجتماعية اقتصادية برأي محادين، فإن أبناء العاملين في هذه المهن ذات الحضور المتواضع، سيشعرون عادة، بالحرج في أحيان كثيرة.
يجد الاختصاصي النفسي د. أحمد الشيخ، أن هذه قضية، تتحدد المسؤولية فيها بالثقافة الاجتماعية، فعندما تخلق هذه التصنيفات من قبل الناس يجعل الأبناء يشعرون بقيمتهم بناء على ذلك، وبالتالي فإن الأثر النفسي لا يمكن التعامل معه والابتعاد عن التصنيفات الثقافية.
ويشدد على أن المدرسة برسالتها التربوية يفترض أن تقدم ما يعمل على تغيير اتجاهات الطلبة في المدرسة، واعطاء أهمية لجميع المهن دون استثناء.
ويدعو إلى عدم ممارسة بعض السلوكيات التي تعزز هذه النظرة بطريقة غير مباشرة، كأن يتم التقليل من شأن شخص ونعته بـ"الزبال"، أو معاقبة الطلبة بالتنظيف.
ويشير الشيخ الا أن التأثير النفسي وارد، خصوصا أن الآباء هم نماذج، وبالضرورة أن يترك ذلك آثارا نفسية على الطفل.
لكن الاختصاصي الاسري التربوي د. فتحي طعامنة، يرى أنه لا بد من الاعتراف أن هذا واقع موجود في مجتمعنا، وما يزال مجتمعنا تتملكه ثقافة العيب في العمل، ومهما حاولوا التغلب عليها ما تزال موجودة.
ويقول "يجب أن تكون هناك منظومة تربوية عند الأهل والأسرة ومؤسسات المجتمع المدني، للاعتراف بأن العمل له قيمة وأنه عبادة، ومن المهم الابتعاد عن الحرام، وعن أي شيء يخدش الذوق العام".
ويعتبر أن العمل، قيمة عليا عظيمة يجب غرسها في النفوس، وعلى الإنسان أن يعمل بأي مهنة، وهذا أفضل من أن يحتاج إلى الناس.
ويرى طعامنة أن الضغوط الاجتماعية للأبناء، سببها أن الآباء أنفسهم الذين يشعرون بالخجل من عملهم، ولو كان الأب يعتز ويفخر في عمله، فإن ذلك سيعزز في نفس ابنه عدم الخجل، وأن العمل وسيلة لعدم الحاجة، لافتا إلى أنه إذا ربي الأبناء على ذلك سيمتنعون من الخجل من مهنة والدهم، كما أن ثقة الآباء بأنفسهم، تنعكس على أبنائهم.
ويؤكد أهمية وجود ثقافة اجتماعية لدى أبناء المهن الأخرى، بأن الأعمال التي قد ينظر اليها البعض أنها دونية هي أعمال لا تكتمل دورة الحياة بدونها، مبينا أنه لا يمكن أن يصبح المجتمع كله طبقة واحدة وفئة واحدة، فيجب على أصحاب المهن المرتفعة، أن يغرسوا ذلك في نفوس أبنائهم.
"فكم من أبناء امتهن أهاليهم مهنا بسيطة، ولكنهم أصبحوا من اكثر الشباب تميزا ومكانة في المجتمع"، وفق ما يقول طعامنة.
نقل عن جريدة الغد