من دكان «أبو صالح» إلى الأسواق المركزية.. الأسعار زادت!

من دكان «أبو صالح» إلى الأسواق المركزية.. الأسعار زادت!

 

الحارة عاشت أجمل أيام العمر وسط دكاكين محدودة البضائع لكن القناعة أكبر يتزامن دكان «أبو صالح» في حي ثليم بالرياض مع دكان العم «أيمن» في حي الرويس بجدة، وكذلك دكان الحجي «ناصر» في المبرز بالأحساء.. كل هذه الدكاكين -إن اختلفت وتباينت في مكانها وموقعها الجغرافي- متشابهة في بضاعتها وطريقة تعاملها مع عملائها من أبناء الحي الذين هم هدف المسوّق والبائع على حد سواء، كما أنها -إن اختلفت في أساليب العرض والتسويق- متشابهة إلى حد قريب في بضاعتها ومبيعاتها بل ومساحة كل منها؛ إذ غالباً ما تبيع دكاكين زمان كل ما تحتاجه العائلة، بل كل ما يسهل توفره لدى البائع، إذ لا عجب أن تجد دكان الحارة يبيع مع العصائر والمعلبات وألعاب الأطفال بعضاً من الأدوية والمراهم واللاصقات الطبية.

كان «أبو صالح» أو العم «أيمن» قد خصصا ركناً صغيراً من دكانهما الصغيرين ليعرضا فيهما ما تقدمه الصيدليات في زمننا الحالي، كما يتركان ركناً للأدوات المكتبية ليبيعا من خلاله الكراريس والدفاتر والأوراق «الفروخ»، ناهيك عن أركانٍ صغيرة تُعرض من خلالها الحبوب والمحامص، كما تعرض البقول والحلويات وشيئاً من الأجبان. نعم، هكذا كانت دكاكين زمان تجمع حاجات الصيدلي وحوائج البقال ومستلزمات الفاكهاني والخضري وقرطاسيات المكتبة، وكان الناس حينها يسمون السلع باسم صورها.

إذ لا معرفة بأسماء الوكالات أو الماركات؛ فهذا بسكويت «أبو ولد»، وهذه بطارية «أبو بس»، وهذا شاي «أبو جبل»، أو رز «أبو بنت»، كما أن هذه الشطة تعرف ب»أم ديك». كان العم «أيمن» أو الحجي «ناصر» يعرفان أبناء الحارة جيداً، كما يعرفان أحوال الحي وظروف الجيران، ولذا تجدهما يدوّنان كل ما يطلبه الأهالي بسجل «المديونيات»، هذا في حال تأجيل الدفع تقديراً لظروف الزبائن والعملاء الدائمين؛ إذ غالباً ما يلجأ البائع إلى تقييد هذه الديون لحين استطاعة الجيران سدادها بعيداً عن تلك العبارة غير المرحب بها والتي تنتشر في بعض المحال في زماننا الحالي «ممنوع الدين ولو بعدين».
جيل عاش طفولته على بسكويت «السعادة» و«أبو ميزان» و«مينو» وتنكة «الجلوكوز» وعلك «ستيف» وحلاوة «الموز» و«أم بقرة»

ظروف الحياة

لم يكن الدكان في ذلك الزمان يغني عن بسطات أم «صويلح» أو بقشة «أم سعد»؛ فظروف الحياة وانعدام التعقيد في استخراج تصاريح البيع ساعد على فتح أبواب الزرق، كما ساهم في تأمين حاجة المستهلك رغم المنافسة الشرسة التي يلقاها صاحب الدكان أو حتى أصحاب المباسط من قبل تاجر الشنطة أو ما يسمونه آنذاك «فرّقنا» -وهو بائع متجول يحمل حزمة من القماش اتفقوا على تسميتها «بقشة» يبيع من خلالها الحلوى والعطور والخرد وألعاب الأطفال-. لم يكن صاحب الدكان يعرف الآلة الحاسبة، ولا وجود حينها لل «كاشير»، وكل ما يملكه هو صرة صغيرة يجمع من خلالها «أبو صالح» ما قدره الله على كسبة يضعها تحت وسادته ليفرقها في الصباح الباكر على أولاده وشؤون بيته وجلب ما يحتاجه دكانه، إذ لم يكن ثمة ادخار بمعناه الحسابي، فقد تذهب الريالات التي حوتها صرة «أبو صالح» من دكانه الصغير لقضاء وسداد حاجة أهله ومنزله بكل سهولة وبركة، إذ لم يعرف أبناء ذلك الزمان ما هو موجود في زمننا هذا من المواد الاستهلاكية والتنافس التجاري المحموم للوصول إلى المستهلك.

دكان الحارة

في دكان الحي وقبل أكثر من ثلاثين عاماً كانت قروش «الهلل» تدور بين البائع والمشتري، وكانت النقود المعدنية ذات قيمة يفرح بها الصغار ولا يتورع عن حملها الكبار، وكان بسكويت «السعادة»، و»أبو ميزان»، و»مينو»، وتنكة بسكويت «الجلوكوز»، وعلك ستيف أو «بيوبلي» وطرزان، أو «شختك بختك»، وحلاوة «الموز»، و»أم بقرة».. كلها علامات فارقة في دكان زمان الذي لا تخلو رفوفه من عصير الطماطم وشاي «أبو جبل» وصابون «أم عنز» وعطر «ريفدور» أو «أبو عصفور» أو «أوقوبرافا»، كما لا تخلو ثلاجته من أكياس اللبن الذي كان يباع بالتعبئة، حيث يطلب المشتري تعبئة كيس أو كيسين من الحجم الصغير أو الحجم الكبير حسب طلبه، حتى ظهور ألبان الخبر ذات العلبة الكارتونية الحمراء، وألبان المشيقح المعبأة بأكياس بلاستيكية، ثم ألبان سنابل التي حملت شكلاً وعبوة جديدة على شكل قارورة بلاستيكية لقيت حينها رواجاً وطلباً واسعاً قبل أن تظهر ألبان الصافي بعبارتها الشهيرة «حتى تصبح متعافي.. أشرب حليب الصافي»، وألبان المراعي بمنتجاتها المتعددة، وألبان مشروع وزارة الزراعة، ثم ألبان «نادك» وكلها كانت في بدايات القرن الهجري الجديد لحين ظهور لبن الهلال عام 1406 الذي حمل اسم وشعار نادي الهلال، ناهيك عن ألبان المطرودي والقميع التي سبقت غيرها وكانت علامة بارزة في دكان ما قبل ثلاثين عاماً. كانت الدكاكين قبل بوادر الطفرة الاقتصادية تبيع كل ما هو متوفر لدى البائع؛ فقد تجد الدافور والقتيلة والسراج والليف والحبل والسمن والإقط، وكل ما لم يخطر ببالك متوفر لدى دكان «أبو صالح» الذي ربما علّق في إحدى زوايا دكانه جدياً نعيمياً أو نجدياً يبيع منه بالكيلو، أو بما اصطلح هو مع زبائنه على تسعيره، فكسب المال من حاجة الناس بالحلال عبارة يرددونها وقاعدة يسيرون عليها.

أول ما فيه إلاّ شاي «أبو جبل» ورز «أبو بنت» وشطة «أم ديك» وصابون «أم عنز» وعطر «ريفدور».. واليوم تدلل!

الأسواق المركزية

في الثمانينيات الهجرية كان ثمة «سوبر ماركت» صغير أمام البوابة الشمالية لوزارة المالية قبالة مبنى البريد الحالي على طريق الملك عبدالعزيز «المطار القديم»، وكان هذا «السوبر ماركت» يمثّل بداية انطلاقة الأسواق المركزية التي بدأتها سلسلة «السدحان»، حيث كان أول سوق مركزي حديث لهذه السلسلة في شارع الستين بالملز، كما عُرفت بعدها أسواق «اليورمارشيه» و»بنده»، لحين انتشار الأسواق المركزية الحديثة في سماء الرياض التي أصبحت الآن إحدى كبريات المدن التجارية والتي تعمل أسواقها المركزية وفق أحدث الأنظمة في التموين والمحاسبة، لاسيما وقد بدأت مع بداية الطفرة الاقتصادية الأولى في بلادنا نهاية التسعينيات الهجرية وبداية العام الهجري الجديد، وربما قبل هذا ببضع سنوات لتتزامن مع انتشار الثلاجات والبرادات الحديثة التي تساعد على حفظ الأطعمة وسلامة نقلها عبر السيارات المبردة والثلاجات المتنقلة، حتى أصبح المستهلك في زماننا هذا يقف أمام سيل من خطوط الإنتاج للسلعة الواحدة ويراعي مع ازدياد ثقافته الاستهلاكية المواصفات التصنيعية وفوارق الجودة من منتج لآخر، كما يستطيع أن يعبئ سلته بما يطيب له من دون أن يحمل في جيبه ريالاً واحداً إذ أغنته بطاقته المصرفية عن صرة «أبو صالح» أو سجل القيد الذي لم يخل منه دكان الحجي «ناصر» والذي كان حينها قفزة نوعية في النظام المحاسبي، هذا قبل أن يزداد سقف السلع وخطوط الإنتاج في الطفرة الأولى التي زادتها معها ثقافة الاستهلاك لتتواكب مع زيادة الدخل حتى أصبح أصغر دكانٍ في زماننا هذا يقارع بتعدد أصنافه أكبر «سوبر ماركت» قبل ثلاثين عاماً. وفي زماننا هذا لم تقف النقلة على زيادة خطوط الإنتاج وتعدد البضائع، بل تجاوزتها إلى تطور أساليب العرض والإعلان ومغريات الشراء والعرض والإيصال إلى المنازل وانتشار ثقافة المنتج الصحي، وتعدد الخيارات التي كان وما يزال من أهمها وأولها سلامة نقل المنتج وحداثة إنتاجه والثقة بمصدره.

أضغط على الصورة لتكبيرها


بسطات تجول وسط الحارة والأطفال ينتظرون ساعة الوصول

«الزكرتية» أمام البقالة يتبادلون الحديث ويرتوون من العطش.. والفتاة تراقب

منتجات غذائية قديمة لا تزال تحتفظ بالاسم والطعم معاً

طفلان أمام بسطتهما على رصيف الحارة حيث كان العمل والبحث عن لقمة العيش

دكان «أبو صالح» يبيع كل شيء والسداد آجل والتوثيق في دفتر الديون


سيدة أمام «كاشير» الحساب حيث الأسعار ثابتة والخدمة مميزة


الأسواق المركزية وفرت جميع المنتجات للزبائن وبأسعار تنافسية


دكان الحارة شهد أجمل ذكريات الطفولة

 
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5