عادات الشعوب

عادات الشعوب

 

في إندونيسيا، وشرق آسيا فإن فيها من الأمور السائدة عند بعض أهلها ما لا يدركه ويعرفه إلا القلة ممن مكث عندهم واحتك بأهلها لكثرة جزرها مع اختلاف العادات عند أهل كل جزيرة عما هي عن الجزيرة الأخرى، ولا يدرك تلك العادات إلا من عاش هناك أو يدلّه خبير بالبلاد.

وسوف نحاول اختصار الحالات التي شاهدتها، وخاصة ما يتعلق بالمطاعم ونوعها مما أوقفنا عليه شخص مطّلع ينطبق عليه قول الله جلَّ وعلا: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (14) سورة فاطر.

ذلك أن العلم بالشيء خير من الجهل به، فقد أوقفنا هذا الخبير على جزء مما يعرفه حسب إقامته في إندونيسيا فكان أول ما حدثنا عنه: الجنس الثالث الذين لهم صحيفة ونشرات، وجمعية معترف بها، وأن عدد المنتمين لها حسب آخر إحصائية نشرت لا يقلون عن سبعين ألفا.

- ثم قال سأريكم بعض المطاعم، فالمطعم الأول: أدخلنا فيه فإذا البناء جيد جداً، التأثيث والاستعداد جميل جداً، ولما كان يعرف اللغة ولا ندري منها شيئاً، فقد تحدث معهم، ثم ذهب للمستودع، وأخذني معه، فإذا فيه أكياس كبيرة، فيها شيء يتحرك ظننته جراداً أو شبيهاً به، وأبنت له ذلك فضحك حسب المعهود عنده، ولكنه قال: سوف ترى جرادهم الذي هو عندهم أغلى من جرادكم، فسحب العمال كيساً كبيراً منها، إلى طاولة عليها دافُورَيْنْ عليهما ماء يغلي في القدور، وبجوار ذلك امرأتان فيهما حماسة وشجاعة الشباب، قد شمرت كل واحدة ثيابها استعداداً للعمل، وفي يد كل واحدة سكيناً حاداً وملاقط مهيأة.. وبحركة سريعة وعجيبة ومرنة، أخرجوا من الكيس ثعباناً غليظاً، وطوله أكثر من مترين، لم أر في حياتي مثله، وبسرعة أخذوه بالملاقط، فوضعوه على سطح الطاولة الرخامي، فضربت إحدى المرأتين عنق الثعبان، فإذا الرأس يتحرج ويتحرك، فأخذت المرأتان جسم الثعبان، الذي لم يخرج منه الدم لسرعة الضربة وقوتها، حيث لم يخرج الدم بعد، ونكسته حيث كان أمامها ثلاثة كاسات زجاجية مهيأة، لتلقي دم هذا الثعبان، وبعد ما صار في كل كأس نصفه، واحداً بعد الآخر أعطتها لثلاثة رجال ينتظرون مع الملاعق، أما الأخرى فقامت بعد نزع جلد الثعبان بتقطيع لحمه ووضعه في القدور المهيأة، التي تغلي استعداداً للزبائن، لتقديمه وجبة شهية، ولما سألتُ صاحبي عن الدم ماذا يعمل به، قال: انظر للغرفة المجاورة، وإذا بها ثلاثة أشخاص، فجاءت إحدى المرأتين بصينية، ووضعت فيها هذه الكاسات، وقدمتها ومع كل كأس وهو حار لأنه طري ملعقة صغيرة، فصار كل واحد يتناول كأسه بملعقته، وأنا أنظر إليهم وأتقزز من عملهم وكدت أتقيأ، فطلبت من صاحبي الخروج، من بشاعة ما شاهدت، فقال صاحبي: هل تعرف سِعْر ذلك الدم: إنه غالٍ جداً، الكأس الواحدة بما قيمته 30 ألفاً بعملتهم لأنهم يعتقدون فيه عن المدمنين للخمور، بأنه ينظف الكبد، هذا حسب اعتقادهم، أما عندنا وفي شريعة الإسلام فالدم حرام، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما جعل الله شفاء أمتي فيما حرّم عليهم).

وهذا شبيه بما رأيته عند الوثنيين في نيبال في يوم سوقهم، يأتون بالتيوس، ويعلقونها منكسة ويطعنون الحلق فيبدأ الدم بالنزول، فيأتون للشراء كل بإنائه، ويوزعونه بأثمان باهظة على المشترين، والتيس ثابت في معلاقه وهذا عمل أهل الجاهلية، قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولما كنت لا أعرف كم قيمة الكمية التي تباع من هذا الدم، سواء دم بهيمة الأنعام، التي تهيأ لمن يشتري في سوق نيبال، أو دم الثعبان في إندونيسيا، قدّرها لي أحد الإخوان بالعملة السعودية، فإذا هي باهظة جداً، مع فقرهم لكنهم يعتقدون في ذلك أموراً لا ندريها، وللناس فيما يعشقون مذاهب، إذ قال لنا من هو خبير عندهم، بأن نصف الفنجال قيمته 60 ألف روبية إندونيسية، لاعتقادهم أنه ينظف الكبد من آثار الكحول، وعلاج عن التليف، هذا في دم الثعبان في إندونيسيا والأسعار تختلف حسب العرض والطلب،

ونخشى أن اعتقادهم هذا، مثلما نشرنا في الحلقة الأولى عمّا انتشر في بعض المعقدات الأفريقية بأكل روث البقر، كعلاج لمرض الإيدز، نتيجة الفقر، فالفقير يجرّب أشياء عديدة لعل ما حوله منها ينفعه، ومن ثم يشيعه، ورجيع الدابة، كما أخبر رسول الله أنه طعام لدواب الجنّ، ونهينا عن الاستجمار به لكن صاحبي الذي كان حريصاً - ومن باب المزاح بأن العلم بالشيء خير من الجهل به - قال لي: إن هذا المطعم مخصص لأكل لحوم الثعابين، والاستشفاء بدمائها، وروّاده كثيرون، فماذا تريد لحماً أو دماً؟ وإن لم ترغب ذلك نطلب لك مرقاً، قلت: لا أريد إلا الهروب من هذا المطعم بما فيه، مخافة أن ينفلت واحد منها، فيحصل لنا كارثة، وأقل ذلك الترويع، ثم قلت له، وأنا أغادر باب هذا المطعم الأنيق، ألا تعرف المثل العامي عندنا: ابعد عن الداب وشجرته.

فقال: إذاً سوف أذهب بك إلى مطعم آخر، ترتاح إليه، وفيه مأكولات شهية. قال ذلك وهو يبتسم، فشككت منه ومن ضحكته.. ونظرت إليه من الخارج قبل دخوله، فإذا تأثيثه ومنظره من الخارج، والرسومات على الحيطان، تغري الزبائن، فتأملتها قبل الدخول، فإذا حشرات وصراصير وفئران وخنافس وغيرها، فشككت فيه، وتوقفت عن الدخول وحاول معي وامتنعت حتى تخبرني عما يقدم هذا المطعم، فقال: يقدم حسب رغبة الزبائن من تلك الرسوم، لكنهم يتفننون في صنعها والمقبلات لها. فشككت منه، وطلبت البعد، لأنني أخاف من هذه الحشرات وأكافحها، وهي تمشي فكيف أتوقى ضررها بعد أكلها، وذكّرته بموقف حصل لي بمطاعم أخرى منها ما هو مخصص للضفادع، وللمائيات.

قال لي: إذاً اذهب إلى فندق خمس نجوم لنتناول فيه العشاء هذه الليلة، ويقدم الأكل بأنوار خافتة وعلى الشموع وفي جو هادئ، ولا يدخله أحد إلا بلباس السهرة وكمل، فلعلنا نذهب لنغير اللباس، ونأتي في الوقت، فذهبنا لنغير اللباس بما وصف لنا.

كل هذا رغبة في استكشاف شيء جديد من عادات الشعوب، مع ملاحظة أن صاحبي كثير المداعبة ويخلط الهزل بالجد.

بعد رجوعنا دلفنا هذا الفندق، وكنت أترقب على وجل، ما في هذا الفندق من مفاجأة، إذ لما دخلنا جاء الخدم ليوصلوننا للمقاعد، ولا تسمع في هذا الفندق إلا همساً، وكأن على رؤوس الناس الطير.

ولم أرغب طلب شيء من طعامه، خوفاً من مفاجآت هذه الليلة، خاصة وأن صاحبي قال لي: سأريك أشياء لم ترها في حياتك، ومما مرّ بي في المطعمين، توجست في الثالث أمراً خوفني من طلب أي أكل هذه الليلة، جلسنا على طاولة خاصة، وحوالينا من جلسوا قبلنا، فجاؤا لهم بكرسي صغير. فقلت لصاحب لعل معهم طفل، لأن الكرسي في جنباته حبال لتربيط ذلك الطفل المزعوم، فرد علي: سوف ترى طفلهم، وإن أردت جئنا لك بطفل مثله، فرابني كلامه لما يقال عنهم من مآكل عجيبة وما هي إلا لحظات حتى جاءوا بقرد صغير، يقاد بسلسلة دقيقة، فأجلسوه على ذلك الكرسي وربطوه بالحبال، والقرد يتلفت يميناً وشمالاً، كأنه يتعرف على الناس، والمكان ممنوع التصوير فيه، فجاء واحد من خدم الفندق، وفي يديه ما يشبه مفتاح البيبسي أو الكولا لكنه على مقاس رأس القرد، فنزع به فروة رأسه، وأعطوا الجالسين الملاعق، فصاروا يكلون دماغ هذا القرد وهو لا يزال يتحرك، فقمت فوراً للخروج، من هذا الفندق، وصاحبي يقول اجلس سوف ترى مفاجأة أخرى، فقلت: لا أستطيع حيث شعرت بالحاجة للتقيؤ ولا رغبة لي في أكل أو غيره من هذه المناظر، وفي الطريق ونحن هاربون:

قال صاحبي: لماذا استعجلت هناك مفاجأة ما زلنا في وسط الطريق لمشوار من العجائب والغرائب التي لم تنته، ولو كنت في شرق آسيا لرأيت الشيء الأغرب، قلت: هذا يكفيني، قال: السياح يأتون لمثل هذه الغرائب، فكيف بك لو زرت جزيرة “بالي”، قلت: قد عرفت عنها، وفي عودتي من أستراليا توقفت الطائرة لمدة ساعة ونصف، فنزل الجميع بتأشيرة مجانية، ولما قرأت عنها، عن جزر القمر لم أغادر صالة المطار، ومعي كتاب أقرأه حتى حان وقت السفر، لأن الغرب في جاهلية أخلاقية ومثل العادات لدى الشعوب يجد جديد، وينسى القديم، ألم تكن نساء العرب قبل الإسلام وفي جاهليتهم يطفن بالبيت الحرام عرايا ويرمين ملابسهن ويقلن في الطواف وهن واضعات الأيدي على العورة:

اليوم يبدو بعضه أو كلّه

فما بدا منه فلا أُحِلّهُ

وقد أحلّ الإسلام أشياء، هي مستهجنة عندهم مثل: أكل الجراد الذي يرونه نوعاً من الحشرات، والضبّ حيث كان خالد في بيت النبوّة، وجيء للرسول بضبّ فلم يمدّ يده فقال خالد بن الوليد: أحرام هو؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا ولكنّه لم يكن بأرض قومي فعافته نفسي فأكله خالد.
والبادية عندنا كانوا يعافون أكل السمك لأنهم لم يعرفوه، وهكذا من جهل شيئاً أنكره، بل في كل بلد يجد فيها للسائح ما تعافه نفسه.

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5