إلا الحماقة.. أعيت من يداويها

إلا الحماقة.. أعيت من يداويها

 

أسوأ جملة أسمعها من أي إنسان هي عندما يقول لي: إنني لا أستطيع تمالك أعصابي.

الإنسان الذي لا يستطيع تمالك أعصابه، هو إنسان مختل، إن لم يكن عقليا فنفسيا، وإنني والله أرثي لمثل هذا الصنف من البشر، فما قيمة الحياة إذا كانت كلها توترا وشد أعصاب وبذاءات وشتائم؟ والغضب، مثلما يرى علماء النفس الاجتماعي، هو عاطفة يساء فهمها في كثير من الأحيان، لأننا للأسف نحن الذين نقرر أن نغضب، عندما نعتقد أننا عوملنا بغير عدل، مع أن ذلك الاعتقاد قد يكون خاطئا أو مبالغا فيه.

فالعدوانية ليست حتمية (بيولوجية)، بل إنها خطة مكتسبة.

فهل لاحظتم مثلا أنه نادرا ما يفقد مثل هؤلاء الأشخاص الحمقى أعصابهم أمام رؤسائهم في العمل؟ ولكنهم يصبون جام غضبهم على من هم أضعف منهم وعلى أفراد عوائلهم!

وأعرف رجلا وامرأة لهما ما لا يقل عن عشرة أعوام وهما متزوجان - ولكن زواجه إيه؟! الله لا يوريكم، فالزوج عصبي أحمق معتوه، وزوجته مثله إن لم تتفوق عليه في هذه الصفات - يعني (وافق شن طبقة) - حياتهما أشبه ما تكون بالجحيم، ومنزلهما أشبه ما يكون (بالمرستان)، أولادهما شبه متخلفين من كثرة الرعب والخوف الذي سببه لهم مشاهداتهم للخناقات المتكررة بين الأب الذي كثيرا ما طرد الأم من البيت، والأم التي كثيرا ما لجأت إلى بيت أهلها، وهو لا يتعامل معها إلا بيده أو عقاله، إلى درجة أنه هد لها أسنانها العلوية والسفلية، وهي اليوم تأكل بطقم أسنان صناعية، ولكنها بالمقابل هي أيضا ليست قليلة شر، فقد كانت ترد له الصاع صاعين بالمسبات والضرب حتى بالشباشب، وكثيرا ما نهشت بأسنانها الصناعية أكتافه، وكثيرا ما مخشت وغرزت أظافرها في وجهه، إلى درجة أن الشطوب والندوب ما زالت علاماتها واضحة في وجهه الذي أصبح يشبه وجه القرصان.

وكلما حاولت نصحه لا أسمع منه غير جملة واحدة: ماذا أفعل؟! إنني لا أستطيع تمالك أعصابي.

وما أبعد هؤلاء عما قرأته من أن شابا أصم وأبكم عمره 27 سنة اقترن بفتاة عشرينية، وهي أيضا صماء وبكماء، ولا يتبادلان أطراف الحديث إلا بالإيماءات والإشارات، ويخيم الصمت والهدوء والسلام والسعادة على حياتهما التي لا تتخللها أي أصوات سوى أصوات الضحكات، ويقول والده: إنه جهز منزل ابنه باحتياجاته الخاصة، بدءا باستبداله بجرس المنزل إشارة ضوئية تبرق إشعارا بوجود زائر، والإعاقة التي يعانيها ابنه منذ ولادته لم تقف عائقا لإكماله لدراسته، وهو اليوم يعمل في مجال الكومبيوتر، وكانت مشكلتهما الوحيدة أن الزوجة لا تستطيع أن تنجب نظير إصابتها بالدوالي في ساقها اليمنى، الأمر الذي يستدعي تدخلا جراحيا لحل المشكلة.

غير أنهم في المدة الأخيرة قد تغلبوا عليها وحلوها والحمد لله، وذلك عندما وفر الزوج الأصم من مثابرته على العمل المبلغ الكافي، وأجرت الزوجة العملية بنجاح، ولديهما الآن ابنة في الثالثة من عمرها ليس لديها أي إعاقة، ومشكلتها الوحيدة هي (خفة الدم) الذي ينقط العسل.

ما أروع أن تكون لك زوجة صماء بكماء و(رياضية).

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5