وياما حميت ببندقي كل مشفاق
- القصص والروايات
- 13/3/2012
- 1689
- ناصر الحميضي-الرياض
الكاتب فيكتور هوجو والذي يعد من أشهر الأدباء الفرنسيين كتب في روايته عن شخصية سماها ( أحدب نوتر دام ) وهذه الشخصية باختصار جمع فيها من باب الخيال كل صفات الدمامة الجسدية والمظهر الخارجي المشاهد ، بالإضافة إلى عدم انتمائها إلى من يضيف له قوة أو قدرة أو اهتماماً أو غنى ومالاً ، وأعني بذلك أنه جعل الشخصية غير مقبولة و مجهولة ، وهذا مما يفصل الشخصية عن كل المؤثرات التي يمكن أن يلتفت إليها.
شخصية الأحدب إذا كانت رمزا يريد الكاتب أن ينطلق منه نحو هدف الرواية .
وأذكر أنني قرأتها وأنا في أول سنة من المرحلة المتوسطة وكانت الكتب تباع ضمن كل أثاث حراج ابن قاسم بجوار الجامع الكبير بالرياض اشتريت الكتاب بقروش لا تصل إلى الريال من زميل لي كان يمارس نشاط بيع الكتب القديمة ينشرها على الرصيف هناك ، كنت يوم اشتريت الكتاب أجامله في شرائه وأتملق صداقة تقوي زمالتنا لطيب خلقه ، ولا أعرف حتى قراءة عنوان الكتابة قراءة صحيحة ، بل ربما لأول مرة تختلط عندي الكلمات المجهولة في عنوان ، المهم أن الكتاب كان هو الأقرب إلى يدي فاشتريته .
وعند قراءة بعض من الرواية كان تركيزي على جانب الحكم الجائر على أي شخص من خلال مظهره فقط وتجاهله أو السخرية منه دون الغوص فيما وراء المظهر ، بينما لا يمثل المظهر الجسدي سوى صورة لا يمكنها أن تكون فاعلة أو نافعة بلا أفعال مرضية .
لم تزدني الرواية معرفة تذكر حول تقدير ذات الآخرين وتجاوز الجسد ، لأن شخصية الأحدب الوهمية أو المرسومة في مخيلة الكاتب الفرنسي ليست مستحيلة الحدوث أو وهمية في الواقع الإنساني ، بل موجودة وتتكرر ولكنه عبر عنها بينما نحن نحس بها ونلمسها لكن لا نتوقف من أجل التعبير عن إحساسنا .
المظهر يبهرنا ويسير تصرفاتنا و للأسف يوجهها وقولي للأسف لأن النتائج لا تكون كما نأمل .
في حياتنا اليومية الناس تقدر وتحتقر من منطلق المظهر ، دون تحمل مشقة البحث عن المخابر أو تكليف النفس لرؤية ما وراء المظهر ، لكن يبقى الشعور والإحساس وهو الجانب الخفي عنا والذي منه تتمثل قيمة عالية في الإنسان تظل في زاوية الحياد المتعمد .
لم أحتج لكثير وقت للحصول والوصول إلى هدف مهم في الرواية ، وهو إبراز مشكلة الاغترار بالمظاهر وحاجزها الذي يمنع تجاوزه لما بعده من مشاعر ، والسبب أن مجتمعنا القروي الذي جئت منه ، والذي لا زالت ثيابي ندية مصطبغة بطينه و بترابه ، قد علمني وتعلمت منه عمليا وتطبيقاً احترام وتقدير كل الناس بغض النظر عن مظاهرهم ، وليس فيكتور هوجو شمعة إضاءة عندي لكنني احترم جانبه الإنساني الذي يحب أن يلتفت إليه الناس.
ونقلب الصفحة الغربية لندلف إلى صفحتنا العربية المشرقة والمليئة بالقصص الواقعية ، بعيدا عن الخيال والأسطورة فنتتبع شخصية كانت في قومها مقدرة ، حيث ذاك الرجل عزيز في قومه شجاعا مقداما كريم الخصال حامياً للذمة والأمانة والجوار ، لكن صدوف الزمن لم تكن في صالحه يوما من الأيام ، فلعله قرر التنكر والابتعاد عن بيئته الاجتماعية ليفتح صفحة جديدة بشخصية أخرى ، حتى تهدأ الأمور .
هرب من بيئته الاجتماعية متنكراً وعاش مع قوم آخرين ، ولم يكن هذا الرجل ذا مظهر جميل ، بل كان دميم الخلقة أفحج الساقين فقد كان في صغره فارساً تأثرت ساقاه من ركوب الخيل ، وكان قصير القامة ، ولا يجذب منظره رغبة النساء خاصة ، ولم يعط بسطة في جسمه يعتقد بقوة فيه.
هذه المواصفات هي القاسم المشترك بين الشخصية الخيالية عند فيكتور هوجو الخيالية ، وشخصيتنا العربية الحقيقية .
هذا الرجل الشجاع والفارس سمى نفسه ( غفيصة ) هكذا تسمى ويريد أن يعيش بهذا الاسم ، وصارت القبيلة التي يعيش بينها ينادونه بهذا الاسم ، ويعمل في مهن الخدمة ، ومع الرعاة وأحيانا يقوم بالرعي من الدرجة الثانية أو الثالثة ، لأنهم ربما لا يسندون له ولا حتى الرعي لعدم تقدير قدراته.
وكان هناك شخصية أخرى عكسه تماماً ، يوجد شاب جميل المظهر يتبختر كالطاووس يتباهى بمنظره وجماله ، ويغازل النساء ويتعرض لهن هنا وهناك بشتى أنواع الكلمات التي تستميل القلوب ، وليس بالضرورة إتباع القول بأفعال مشينة ، لكن يرى نفسه في مكان الصدارة في أعينهن وهذا يكفيه ، كما أنه يحمل معه بندقية على كتفه زيادة بالتباهي .
لكن مع كل هذا هو جبان ، ولا عزيمة عنده في شيء ، ولا يتحلى بصفات الشجاعة والإقدام والحمية .....الخ
وعندما يقترب غفيصة من مكان تجمع النساء وهذا الرجل الوسيم عند مورد الماء أو حول الإبل والماشية ، أو في أي مكان ، يتعرض لكلام جارح واستهزاء وسخرية من قبل بعضهن وربما دعت عليه إحداهن بقولها : اذهب وجمع الإبل تفرقت كما تفرق ساقيك.
أما هو فيعرف نفسه ويقدر ذاته ، كما يعرف أن المجتمعات كلها مبهورة بالمظاهر لكن لا يهم ، فالعبرة بالمخابر ولا يصح إلا الصحيح.
وفي يوم من الأيام تعرضت القبيلة التي هو فيها لاجتياح غزو ، وكادت ثروتهم من الماشية أن تضيع ورجالهم أن يقتلوا ، فهرب الرجل الوسيم ببندقيته التي على كتفه ، ولكن غفيصة تبعه وأخذ بندقيته ليعمل على رد الاعتداء وحماية قبيلتهم ، وكانت البندقية الواحدة في ذاك الزمن كافية ولكن عندما تكون في يد رجل شهم وقائد شجاع وإلا لم تنفع بشيء.
وبعد أن اتضح جانب من شخصيته كان مخفيا من قبل وهو جانب الأصالة والشجاعة والحمية ، تغيرت الحال والنظرة وعرف أن في أثواب غفيصة يتخفى شيخ قبيلة وعقيد قوم ، بغض النظر عن مظهره ، حيث تلاشى الحكم على المظهر أمام أصالة المخبر ، ولأن الرجل كان لديه تقدير لذاته ومعرفة تامة بها بقي كما هو في تواضعه وفي طريقة حياته.
أما الذي ينتظر الجواب عليه سواء في نوتر دام أو في الصحراء فهو جواب لسؤال لا يزال يتردد :
متى نعبر ونتجاوز صورة الجسد إلى مشاعر وأحاسيس الآخرين ومخابرهم ، فنقدر قيمتهم الحقيقية ؟
قال غفيصة يريد جوابا هذه القصيدة :
يابنت ياللي غرها زين عشاق
وراه مافكك ولو كان به زين
تقول رد الضان يا عيوج الساق
عساس بدو عقب الامحال منحين
ياما ثنيت الساق من فوق الاسواق
اهوش دون الربع والربع مقفين
وياما ركزت الساق مع درب الاسراق
وانا حلي مسلوعات السراحين
وياما حميت ببندقي كل مشفاق
واديته امه والطلب فيه مشفين
وكم هجمةٍ يطرب لها كل مشتاق
شعلتها بالليل والناس نيمين
غديت لي في ظلمة الليل بنياق
اخطى طلبها باسمر الليل غادين
وختاما يبقى مغزى القصة والحكاية وكذلك الرواية وخيالها تؤكده وتسانده الواقعية في المشترك الإنساني بغية الوصول إلى تعزيز جانب الفضيلة وتقويتها والتأكيد عليها .