العلاقة بين التيارات الثقافية في المملكة العربية السعودية
- العادات والتقاليد الثقافه والتراث
- 21/2/2012
- 1584
- د.عثمان بن صالح العامر-الجزيره
أعتقد أن العلاقة بين التيارات الثقافية في المملكة العربية السعودية تدخل اليوم مرحلة جديدة وصعبة، مرحلة حاسمة وبجلاء، يصدق عليها لفظة الصراع لا الحوار، فبعد أن كان الجدل اللفظي متخفياً ومتوارياً عن أنظار العامة بل وحتى الخاصة، وربما كتب المثقف ما يعن له تحت أسماء مستعارة منتحلة نسائية أو حتى رجالية وفي مواقع ومنتديات محددة ومعروفة لا يهتم به ويتابعها بشكل دائم إلا النخب والجهات ذات الاختصاص، بعد أن كان الأمر كذلك أضحى هذه الأيام على المكشوف وبلغة لا تخلو من الجرأة في الطرح والقوة في المواجهة وقد تصل الأمور إلى التهديد المعلن!!، حتى أن تحديد الأشخاص الذين يحملون الراية ولهم السبق الثقافي في الانتماء لهذا التيار أو ذاك، والتفصيل في بيان توجهاتهم الفكرية المرفوضة من عامة الناس في المجتمع السعودي، وإيراد الحوادث المفصلية في حياتهم، وأبرز أقولهم التي لم ينساها التاريخ، وأهم مراجعهم الثقافية، وعلاقاتهم خاصة الخارجية منها، صار كل هذا على مسمع ومرأى من الجميع، يتناوله ويتابعه صباح مساء المواطن العادي فضلاً عن المثقف والمهتم، عبر قنوات الإعلام المختلفة، ومن خلال وسائط التواصل الاجتماعي المتطورة، وفي المنتديات والصحف الإلكترونية المتعددة!!.
هذا التغير الملحوظ في المكاشفة، والشفافية في المواجهة له أسبابه الخارجية منها والداخلية التي قد لا تعنينا في هذا المقام، وفي اعتقادي الشخصي أن هذه المنازلة من قبل شريحة عريضة ممن ينعتون أنفسهم بـ»التيار الإسلامي» جاء ردت فعل لتجاوز بعض الكتاب المنتسبين للتيار الليبرالي المعتقدين بأن حرية التعبير تعني: «قول ما شئت أنّى شئت ومتى شئت وكيف شئت» تجاوز هؤلاء المثقفين الخطوط الحمراء وخوضهم وبشكل علني فيما يعد لدى الإنسان البسيط من المسلمات اليقينية التي تبرهن عليها وتدل إليها فطرته فضلاً عن عقيدته ودينه ومبادئه وقيمه التي ولد وترعرع ونشأ عليها في هذه البلاد الطيبة المباركة.
إن من سنن الله عز وجل أن يدوم الصراع بين الحق والباطل وأن تنكشف الرايات في الملمات وحين تقع المواجهات والمنازلات، ولكن لم يكن أحد منا يتوقع أن تصل الأمور إلى هذا النفق الضيق المظلم الذي بدأت تُدخلنا فيه تلك الأوراق المتناثرة والكلمات المتطايرة يميناً وشمالاً من لدن بعض المحسوبين على شريحة المثقفين في المملكة.
شخصياً لم أكن أتوقع في يوم ما أن أطلع مثلاً على مقطع «يوتيوب» يتحدث فيه أب عن ظلال أبنائه ويطالب ولاة الأمر بإقامة حد الردة عليهم!!، ليس هذا فحسب بل يخرج علينا في قناة إعلامية مرئية معروفة ليقول كلمة الفصل في فلذة أكباده وأعز الناس عنده، ويضع النقاط على الحروف في أمر هؤلاء الذين نعرفهم في لحن القول، إن كان لدينا ملكة القدرة على الفصل بين قول وآخر وحق وباطل!!.
شخصياً لم أكن أتوقع مثلاً أن تنتشر رسالة تحدد الدور الذي تلعبه إيران في توظيف المثقف السعودي في التجسس لحسابها ودعم ومساندة أشخاص مازالوا مجرد مشاريع ثقافية ليحدث التغيير الذي يراد له أن يكون معول الهدم للبناء الوطني الذي يُضرب فيه المثل بالتجانس والتكاتف والتعاون والمواطنة والولاء والوفاء والبناء والعطاء فضلاً عن الوسطية والاعتدال والالتزام بالعقيدة الإسلامية الصحيحة.
شخصياً لم أكن أتوقع في يوم من الأيام مثلاً أن تصل الأمور إلى أن يتابع شاب سعودي من بلد لآخر ويقاد إلى السجن لتطاوله على الذات الإلهية وقوله في حق مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا نقبله من كافر كفر بواح فكيف بمن ولد ونشأ وترعرع قريباً من بيت الله الحرام والعياذ بالله!!.
شخصياً لم أكن أتوقع في يوم ما أن يكن لمن ينعتون أنفسهم بأنهم أقطاب التيار الليبرالي الواعد هذه الهالة والحضور في مناسباتنا الثقافية وكأنهم هم بشحمهم ولحمهم، بفكرهم المتحرر حتى النخاع من سيحمى الوطن ويضمن سلامة المواطن حين تهب رياح التغيير الخارجية التي يراد منها أن تعصف بثوابتنا وتذهب بمقدراتنا البشرية وبقوانا الحقيقية وتنسف جميع ما أعددناه لمعركة البقاء التي هي في النهاية « نكون أو لا نكون»!!.
بصدق نحن اليوم أمام مشهد خطير جداً، والأمن الثقافي يحتاج إلى التحرك الواعي والمدرك والمستشرف لعواقب الأمور، فقد تجاوزنا مجرد المطارحة والمدارسة في غرف خاصة إلى الفضاء الواسع والأفق الرحب.. والتغيير للقناعات وتبديل المسلمات يبدأ من هاهنا، وعلى يد هؤلاء وللأسف الشديد، ومتى كان هذا التغيير السلبي الُمؤدلج الذي يقوده أمثال هؤلاء هو ما ننشده فستكون العاقبة علقم!!، ولنا في التاريخ عبرة ومن الحوادث والنوازل دروس.. نعم التغيير سنة من سنن الله وأمر مطلوب والمساحة من الحرية في القول والقلم ضرورة اليوم ولكن بضوابطها ومسئولياتها وإلى أمد ورب كلمة قالت لصاحبها دعني، ورب قول كان الرصاصة التي زعزعت الوطن وهددت سلامة المواطن وأقلقت ذهنية القائد وشغلت فكره، دمتم بخير، وحفظ الله البلاد والعباد وإلى لقاء والسلام.