أشياء يجب أن تقال!

أشياء يجب أن تقال!

 

مهرجان الجنادرية يتكون من جزءين: جزء يعنى بالتراث المادي فيحرص على عرض كنوزه التي طمرتها الأيام من خلال القرية التراثية التي يشيدها كل عام، وجزء آخر يعنى بالجانب الثقافي والفكري من خلال ما يقيمه كل عام من البرامج الثقافية الحافلة. وفي كل عام يوجه المهرجان دعوات لعدد من الشخصيات البارزة داخل المملكة وخارجها للحضور إلى الرياض والمشاركة في نشاطات المهرجان المادية والثقافية. وإذا كان الجزء الخاص بالتراث المادي لا يتطلب من المدعوين إلى المهرجان سوى التجول والتفرج والاستمتاع بما يشاهدون، فإن الجزء الآخر أمره يختلف، فالمدعوون لحضور البرنامج الثقافي يتوقع منهم أن يكونوا فاعلين ومشاركين، سواء من خلال تقديم مداخلات أو من خلال الإصغاء إلى ما يقال والتعليق عليه.


من المؤسف أن يكشف لنا منتدى الجنادرية الثقافي عن مدى الهشاشة الخلقية التي تستبطن بعض المثقفين، الذين حين توجه إليهم الدعوة للمشاركة في المنتدى يقبلون الدعوة ثم لا يحضرون، أو يحضرون ولا يشاركون، أو يشاركون ولكن بصورة اسمية بلا مضمون فكري أو ثقافي يستحق!


في جلسة من جلسات منتدى الجنادرية الثقافي خلال الأيام الماضية، كان مقررا أن يتحدث فيها خمسة من المثقفين المدعوين من خارج المملكة، فتغيب ثلاثة منهم. ولم تكن تلك الجلسة استثناء، فقد بات مألوفا أن لا تكاد تخلو جلسة من تغيب بعض المشاركين عنها! وفي جلسة أخرى، لم يكف تغيب بعض المتحدثين فأضيف إلى ذلك لا مبالاة من حضروا منهم بالإعداد الجيد لما سيقولونه.


جاءوا خاليي الوفاض من عمل رصين يقدمونه للجمهور المتطلع للإصغاء إليهم، كانوا أشبه بمن جاء مدعوا إلى حفلة تعارف، ليس في جعبتهم سوى حديث يجيء عفو الخاطر، فانشغل أحدهم بالحديث عن سيرته وتجاربه الشخصية، واكتفى الآخر بأن يستحلب ذاكرته لتمده ببعض شوارد الذهن يزجي بها الوقت المخصص له!


هؤلاء المدعوون هم من كبار المثقفين الذين تستضيفهم المملكة وتدفع لهم مقابلا ماديا ضخما، فكيف لا يخجلون أن يجيئوا بهذه الضحالة فلا يقدمون لمن استضافهم شيئا جادا يتناسب مع سمعتهم الثقافية التي دعوا من أجلها! إنه سلوك فيه قدر كبير من الاستهانة واللامبالاة بالمكان والمناسبة والجمهور المجتمع للاستماع إليهم.


ثم إن بعضا من أولئك المدعوين يجيئون إلى قاعة المحاضرات في الوقت المحدد لمداخلاتهم ثم ينصرفون لا تراهم بعدها في الجلسات الأخرى أبدا. وإذا كانت الغاية من استضافتهم هي إتاحة الفرصة للدخول معهم في حوار ونقاش وتبادل أفكار، كيف يمكن أن يتحقق ذلك إذا كانوا لا يجيئون؟!
ما أراه هو أن البرنامج الثقافي في المهرجان في حاجة إلى وضع ضوابط تضطر المدعوين إلى التعامل معه بجدية أكبر وتعطي له شيئا من الوزن يجعله يبدو في الأعين اللامبالية أكبر من أن يكون مجرد مكان لإجازة قصيرة مملوءة بالكسل والاسترخاء.


إن ما ينفق على هذا البرنامج الثقافي النبيل من أموال كثيرة لا ينبغي أن تضيع هدرا، فغاية البرنامج تبادل ما في الأذهان من أفكار ورؤى ومعرفة، وذلك لا يكون إلا بالاحتكاك عن طريق الحديث والنقاش والحوار المستمر، فكيف تتحقق تلك الغاية إن لم يلتق الناس ويجتمعوا خلال الندوات؟!

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5