المباني الأثرية والتراثية.. إذا طاح راح
- العادات والتقاليد الثقافه والتراث
- 23/1/2012
- 1548
- د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري-الاقتصاديه
يقال مهما تقدمت الأمم في مختلف مناحي الحياة فإنها تبقى تحن إلى ماضيها، هذه المقولة واقع حقيقي في أكثر دول العالم تحضّرا، حتى أن أجيالا من تلك الدول بدأوا في البحث عن آثارهم وتراثهم وتراث أجدادهم، وعلى مستوى الفرد دائماً ما ننظر إلى الأمس على أنه أكثر سعادة وراحة، وتحمل الذكريات الجميلة من الماضي بعكس الحاضر مع كل ما فيه من راحة ومتع واستقرار وأمن.
إن الحفاظ على المواقع التراثية والأثرية وإعادة تأهيلها وبث الحياة الإنسانية فيها بما يتفق وطبيعتها جزء أساسي من مسؤوليتنا جميعاً بغض النظر عن مواقفنا العملية أو أعمارنا السنية أو أجناسنا، لأن التراث تراثنا والحفاظ عليه والاهتمام به وحمايته وتأهيله مسؤولية الجميع.
حقيقة إن التغير العمراني والاجتماعي والاقتصادي الذي عاشته المملكة خلال الحقبة الماضية لم يعط لنا الفرصة للتفكير الناضج السليم في كيفية الحفاظ على المواقع التراثية والأثرية. وسبق الحديث والحوار حول تلك الحقبة، إلا أن ما نعيشه اليوم من نضج معرفي واستقرار عمراني وبناء مؤسسي يوجب علينا جميعاً العمل يداً واحدة من أجل إصلاح الخلل وتلافي أخطاء الماضي وتقديم التجربة والعمل بجد من أجل اللحاق بركب الأمم المدركة الواعية لأهمية تراثها وآثارها لماضيها وحاضرها ومستقبلها.
لقد أحسنت الهيئة العامة للسياحة والآثار عندما بدأت حملة توعوية توضيحية حول أهمية حماية الآثار والتراث من الانهيار، وأكدت بقولها ''إذا طاح راح''، وهو رمزية إلى أهمية إعادة النظر في أهمية الحماية والرعاية والتطوير. ويقول مسؤولو الهيئة في هذا الشأن ''تعد المباني الأثرية والتراثية في المملكة العربية السعودية مصدر اعتزاز وحاضنة لذكرى مساهمة الأجداد في مسيرة الوحدة الوطنية المباركة. وتنامي الوعي بأهمية هذه المباني هو ما يجعلنا نلمس اهتمام الأهالي بالمحافظة عليها وتحويلها من مبان آيلة للسقوط إلى آيلة للنمو .. هذا النجاح الذي يواكب توجهات الدولة بالمحافظة على المباني التراثية جعل أصحاب البيوت والمباني التراثية يبادرون للمحافظة عليها باعتبارها مسؤولية جماعية يسهم فيها كل مواطن. واستثمارها وتحويلها إلى منطقة جذب سياحي يعود بالنفع والفائدة الاقتصادية على المجتمعات المحلية. مبانينا التراثية إذا طاحت راحت منا إلى الأبد وراح معها جزء من تاريخنا العريق'' انتهى النص.
إن هذه الرسالة المهمة التي ترسلها الهيئة دعوة لنا جميعاً للعمل من أجل إنجاح مشروع المحافظة على تراثنا وآثارنا وتعزز أصالة الانتماء، ولعل قول الشاعر في ذلك ما يوضح المزيد من المقاصد لهذا الحفاظ والرعاية:
مررت برسم في شيات فراعني
به زجل الأحجـار تحت المعاول
تناولــها عبل الـذراع كأنمـا
رمى الدهر فيما بينهم حرب وائل
أتتلــفها شــلت يمينك خلها
لمعــتبر أو زائـــر أو متســائل
منازل قـوم حدثتنا حـديثهـم
ولم أر أصـل من حديث المنازل
إن الرسالة التراثية والأثرية المتمثلة في الاعتبار من الأمم التي سبقتنا والاطلاع للاستفادة من التجارب المعمارية والعمرانية والحضارية أو للدارس في شتى شؤون الحياة يتعلم منها الكثير، ونحن في عصرنا الحاضر نستلهم منها عبق الماضي، ونحمد الله - سبحانه وتعالى - على ما وصلنا إليه من نعمة في سنوات قصيرة في عمر الأمم، كما أنها نافذة نطل عليها ويطل معنا أبناؤنا وزوارنا على ماض مررنا به وعصر نعيشه ومستقبل نعمل من أجل حياة أفضل له وللأجيال التي ستعيشه وكما يقال ''من لا ماضي له لا مستقبل له''.
كما أن الاهتمام بالمواقع التراثية والأثرية يحقق بعدين اقتصاديين مهمين؛ أولهما تصحيح الفهم الخاطئ للبعض عن بعض المواقع الأثرية والتراثية الإسلامية ومحاولتهم التبرك بها، وتصحيح هذه المفاهيم من خلال التوعية والإرشاد دون الإزالة يعتبر استثمارا حقيقيا وغاليا مع الله - سبحانه وتعالى - لأنه من التي تعمل على إصلاح العقيدة وتغير من بعض السلوكيات الإسلامية الخاطئة التي يعتقدها البعض، وفي جانبها الاقتصادي الآخر تعتبر مصدر دخل لمن يعمل فيها ويملكها بسبب ما تحققه من عوائد اقتصادية جيدة.
إن الاهتمام بالمواقع التراثية والأثرية واجب وطني ومسؤولية اجتماعية مهمة على الجميع الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الغني والفقير، كل فيما يستطيع أن يقدمه لدعم هذا البرنامج الوطني المهم، ولهذا دعونا نعمل جميعاً حتى نساعد على البناء بدل الهدم ونجعل منها مباني آيلة للنمو بدل السقوط. ووفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وقفة تأمل
''البصر للآفاق والبصيرة للأعماق''.