عشاق الربيع الأمر ليس نزهة رومانسية

عشاق الربيع الأمر ليس نزهة رومانسية

 

عشاق الربيع الأمر ليس نزهة رومانسية

لابن خلدون رأي صريح بأن العرب ليسوا أهل عمارة إلا وفق شروط حاكمة لا مجال لمناقشتها في هذه المقالة، ودافعه وراء هذا الاعتقاد أن العرب جميعهم رؤوس، وكل منهم يعتبر نفسه زعيما ولذى يصعب انقياده لغيره إلا وفق شروط محددة تتوفر في ذلك الغير ليكون قادرا على حكم البقية وفق شروط محددة ومعطيات معينة، ومن ذلك تسليمهم له طوعا أو كرها بالزعامة.

ما أعاد هذا الاعتقاد الذي مضت عليه مئات السنين إلى دائرة الاهتمام هو ما جرى ويجري في ميدان التحرير في القاهرة، حيث أصبح ميدان التحرير مرجعية لحل المشكلات وهو في ظاهره أحد آليات التعبير الديمقراطي ولكنه قد يكون في حقيقته البحث عن زعامة، فكل يخرج إلى الميدان وفي رأسه قائد يحشد له التأييد. عندما نقارن ذلك بماحدث في الميادين الأمريكية للمطالبة بإسقاط وول ستريت وكيف خضع الجميع للقانون، و ما جرى في اليونان من مظاهرات ثم كيف عادت الحياة إلى طبيعتها ندرك أن للشعوب خصوصيات لا يمكن تعميمها وبالتالي فما يصدق على الأمريكيين لايصدق على العرب. وليس ذلك لأننا خلق مختلف ولكن لأن الإنسان ابن بيئته والبيئة بمفهومها الواسع تترك بصمة في حياة الفرد والمجتمع يصعب التخلص منها.

ومن يراقب حراك الجاليات اليهودية والصينية والهندية في الدول الغربية يجد أنها استطاعت أن تؤسس لها صوتا مؤثرا في المجتمع الأمريكي على سبيل المثال بينما فشل العرب في ذلك لأنهم غير قادرين على العمل ضمن فريق ينسى الزعامة والتفكير فيها لصالح التركيز على برنامج العمل ودوره فيه.

ربما لا يعجب كلامي هذا الكثير ممن يتطلعون إلى مخرجات مبشرة لثورات الربيع العربي، وذلك أمل لا يمكن لأحد أن يصادره ولكن المؤكد أن الصورة ليست على ما تبدو عليه من جمال وسلمية، فإسقاط نظام قائم مهما كان ذلك النظام فاسدا هو نوع من الهدم، والهدم متيسر، ولكن إعادة بناء مجتمع ومؤسسات ليس بتلك الرومانسية. المجتمعون على إسقاط النظام لن يجمعوا على رموز لبناء نظام جديد، وكيف يجمعون وأمام كل واحد منهم فرصة الزعامة والقيادة. ولذلك تتخذ الصراعات مداها وتسيل الكثير من الدماء وتتعطل الحياة، وينتشر الظلم وتسود شريعة الغاب حتى ييسر الله لذلك المجتمع من يعيد بناء نظامه.

ما حافظ على الثورة المصرية وأعطاها دمغة النجاح كان ضابط الأمن والسيادة الذي وفره المجلس العسكري، واليوم الذي يدخل فيه الجيش طرفا في الصراع سيعني أن الحيادية قد ودعت هذه المؤسسة الضخمة، وعندها ستكون مكرهة على التورط ولو للدفاع عن نفسها وعن تاريخها. ولنأخذ مثالا قديما هو الصومال، فعندما أسقط نظام سياد بري كان ذلك بين عشية وضحاها، ومنذ ذلك الحين والصومال كما تعلمون. وأسقط صدام حسين بقوة أمريكا ودعمها وتجربتها الديمقراطية وعمل دؤوب لاستنبات شجرتها في العراق والمنطقة ومع ذلك فالعراق حيث هو أسوأ بكثير مما كان عليه تحت حكم صدام.

ثلاث فئات في البلادالعربية لابد من التفريق بينها: الأولى تسعى إلى الاصلاح من خلال الأنظمة ومؤسساتها دافعها في ذلك المصلحة العامة وهي تعاني وتحاول وتحبط ولكنها مصممة على العمل من داخل النظام. والثانية فئة تؤمن باستئصال الموجود بدوافع شخصية ولخصومات تاريخية مع الأنظمة ولأن في وجدان كل منها حاكم يتفلت باحثا عن السلطة. أما الثالثة فأغلبية صامتة تكون هي الضحية في كل الأحوال.

الذين يسعون لهدم المعابد على من فيها طامحون إلى السلطة وليس إلى الاصلاح، وتسمية الأمور بمسمياتها مهم في استشراف النتائج.

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5