الحاجة إلى الحكمة والهدوء
- مفالات صحفيه (منقوله)
- 9/10/2011
- 1551
- د. هاشم عبده هاشم- الرياض
عندما كنتُ أمارس مهنة التدريس .. في جامعة الملك عبدالعزيز قبل التحاقي بمجلس الشورى .. ثم بعد انتهاء عضويتي فيه .. كنت شديد الاهتمام بأبنائي من الطلبة القادمين من المنطقة الشرقية .. لما كنت ألمسه فيهم من خصائص ومزايا يتفردون بها وفي مقدمتها : الأدب .. والهدوء.. والحياء والاحترام للغير.. وللوقت.. وللعلم.. وللأستاذ .. وللمكان.. وللنفس أيضاً..
وقد كانت هذه الطبيعة الغالبة على أكثرهم تلفت نظري إليهم.. كما تلفت نظر بقية زملائي أعضاء هيئة التدريس ونكاد نتفق على أن أبناء المنطقة الشرقية .. على هذه الدرجة من "الاستقامة" التي نتمناها في كل شبابنا.. ونحثهم على الالتزام بها..
وبالتأكيد.. فإنه لولا التربية السليمة التي نشأ عليها هؤلاء الطلاب منذ نعومة أظفارهم .. لما غلبت عليهم صفة الهدوء إلى درجة العزلة والانطواء في بعض الأحيان.. وهما عزلة وانطواء كنت أنبههم إلى ضرورة الخروج منهما .. بالمزيد من التفاعل مع زملائهم الآخرين .. وكانوا يفسرون ذلك بأنه يرجع إلى درجة حيائهم العالية .. وابتعادهم عن كل ما يعكر أو يسيء .. أو يزعج أحداً..
ولذلك فإنني لم أستغرب تبرؤ عدد من شيوخ محافظة القطيف وغيرها من محافظات المنطقة الشرقية مما صدر عن بعض شباب العوامية يوم الاثنين الماضي..
كما لم أستغرب تأكيدات صفوة المفكرين والمثقفين بهذه المنطقة على أهمية استمرار التلاحم.. والوفاء.. والولاء .. لهذا الوطن ولولي الأمر.. وضرورة إبعاد البلاد عن شرور الفتنة ومخاطر الاستهداف.. لأن الجميع يدرك أنه لا مصلحة لهذه البلاد .. ولا لأبناء هذه البلاد في "استنساخ" مظاهر الفوضى الأخرى.. في بلد تميز بأنه واحة أمن وأمان واستقرار.. ويجب أن يحافظ الجميع على هذه الميزة.. وأن يتصدوا لكل ما يعرض السلامة العامة للاهتزاز.. أو الخطر بوعي كافٍ.. ووطنية صادقة.. وإخلاص غير منقوص..
وإذا كانت هناك من أمور نختلف عليها .. أو بشأنها.. فإن ذلك مقدور على التفاهم حوله.. مادام أن هناك ثوابت عامة تجمعنا.. وتوحد أهدافنا.. وتدفعنا إلى تلمس طريق التوافق بشأنها.. لأن ما يوحدنا.. ويجمعنا.. ويعمق روابطنا.. أقوى وأشد .. وأعظم من أن نعرضه للاهتزاز .. أو التأثير..
فنحن بلد عقيدة سماوية خالدة..
ونحن موطن قداسة وطهر وقيم راسخة وعظيمة..
ونحن مواطنون .. لنا تاريخ واحد.. يمتد إلى قرون سحيقة.. ولنا من الخصائص .. والصفات القيمية.. ما يجعلنا لحمة واحدة.. ولا يسمح باختراق نسيجنا الأخلاقي.. والاجتماعي في أشد الظروف وأحلكها.. فما بالنا ونحن بلد وشعب أعطاه الله الكثير من النعم.. ووجب عليه أن يحافظ عليها وفي مقدمتها نعم "الإخاء" و"الوفاء" و"الولاء" والمحبة التي يتميز بها وطننا ومواطنونا..
ومن أجل ذلك أقول:
إن علينا أن نعمل كل ما في وسعنا من جهد على احتواء حادثة العوامية .. مسؤولين.. ومواطنين.. مثقفين.. وعامة.. آباء وأمهات ومعارف.. لئلا نفقد ما نحن معروفون به .. ومحسودون عليه من الترابط.. والتلاحم.. والرشد.. ولاسيما في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الإقليم.. وتتعرض بسببها بعض الشعوب والأوطان لكثير من المآسي المؤلمة نتيجة تضعضع صلاتها ببعضها البعض .. واهتزاز ثقتها بمؤسساتها .. وخلخلة مجتمعاتها من الداخل بقوة ..
فنحن هنا في المملكة العربية السعودية .. كنا .. وما نزال.. ونرجو أن نظل وطن الحكمة .. والعقل .. والرشد.. والوئام .. الذي نُصدره إلى الآخرين.. ومن باب أولى أن نحافظ عليه هنا في داخل وطننا .. وأن نمارسه في مختلف شؤون حياتنا..
وإذا كان هناك ما يعكر صفونا .. فإن علينا أن نستزيد من حكمة آبائنا وأجدادنا.. وأن نستعين بوعينا.. وبتحضرنا في معالجة كل الأعراض ودرء الأمراض بالجلوس إلى بعضنا البعض .. بعيداً عن التوتر والانفعال الذي لا يفيد ولا يجدي.. إن هو لم يهدم الكثير مما أخذ ينمو.. ويتحسن.. ويتطور.. ويسير في الاتجاه المطلوب لتصحيح الأخطاء.. وتقويم الأوضاع التي لا يخلو مجتمع أو يشفى منها بلد في أي مكان من هذا العالم..
نحن إذاً بحاجة إلى ترسيخ وتعميق وتجذير ثوابتنا بدل الخروج عليها .. كما أننا بحاجة إلى أن نعمل "بإخلاص" على تأمين سلامة وطننا.. بوطنيتنا (أولاً) و(أخيراً) وأن نقف وقفة إنسان واحد من أي مظهر من مظاهر الإساءة إلى وحدتنا.. وسلامة بلادنا.. والمحافظة على تلاحمنا.. لنؤكد للعالم كله أننا، شعباً ووطناً ودولة، موحَّدون وموحِّدون.. نؤمن بالله رباً.. وبالإسلام ديناً.. وبالوطن عزة.. وكرامة.. ومصيراً.. وبالمستقبل تفاؤلاً.. لا تتقدم عليه أي خيارات أخرى..
***
ضمير مستتر
**(لا خير في إنسان.. فقد صلته بثوابته.. وبتشبثه بأرضه.. وتاريخه.. وكيانه).