القاضي بين الحاضر والماضي !
- القسم الاسلامي
- 9/10/2011
- 1464
- محمد أحمد الحساني -عكاظ
كان الصالحون من العلماء والفقهاء يتهربون من تولي مناصب القضاء ورعا وتقوى وخوفا من تبعات توليهم لذلك المنصب الخطير، وكان الحكام في العصر العباسي على سبيل المثال حسب ما تروي بعض كتب التاريخ، يجدون مشقة في إقناع أهل التقوى والورع من العلماء والفقهاء بتولي القضاء، حتى روي أن بعض المرشحين لهذا المنصب المتهربين من قبوله ربما نالهم بعض الأذى لقاء رفضهم له وقد يضطر عالم فقيه منهم إلى الهجرة والانزواء في بلد بعيد حتى لا يرغم على استلام القضاء، وكانوا يتداولون في هذا المجال جملة معبرة تدل على مدى إحساسهم بخطورة عمل القاضي وهي جملة «من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين»، لأنه يحكم في الدماء والأعراض والحقوق ويخشى إن هو لم يوفق في أحكامه أو غلبه الهوى أن تكون عاقبته غير محمودة، ولذلك يبذل جهده حتى يعتذر عن عدم قبول القضاء ويملأ الحبور قلبه إن قبل اعتذاره من قبل صاحب القرار في زمنه.
ثم استدار الزمن دورته فأصبح منصب القضاء من المناصب المرموقة التي يتزاحم عليها بالمناكب بعض ذوي العلم، مع أن القضاء مسؤولية ثقيلة وأمانة عظيمة، ولكن المفاهيم اختلفت ولم تعد النظرة إلى القضاء وخطورته وصعوبة تسنمه كما كانت من قبل، بل إن الشفاعات تطلب وتبذل حتى يفوز طالب من طلبة العلم بوظيفة قاضٍ أو حتى ملازم قضائي تمهيدا ليصبح قاضيا بعد فترة من الزمن. فما الذي جعل الناس يغيرون من نظرتهم نحو القضاء ويعتبرونه مثل أي وظيفة لامعة تستحق السعي نحوها والتزاحم عليها، وهل ذلك مرتبط بمستوى الورع والتقوى؟.
ولعل من المناسب الإشارة إلى بعض الصفات القضائية التي ينبغي مراعاتها من قبل من يتولى القضاء، ومنها أن يكون القاضي واسع الصدر حسن الخلق، يجيد الاستماع للمتخاصمين لا يضيق ذرعا بما يدلون به بين يديه من مرافعة ومدافعة فلا يسكتهم أو يهددهم أو يعاقبهم بالطرد بل يعطي كل مترافع حقه من الوقت وحسن الاستماع، وأن يقرأ بوعي وحضور ذهن ما يقدم له من أوراق ومستندات ويفحصها فحصا جيدا حتى يعلم ما بها من نقاط متصلة بالدعوى، وأن ينظر إلى المحامين على أنهم عون له على تبين الحق لا منافسين له أو مقللين من شأنه ومكانته العالية، وأن يصدع للحق ويرجع عن حكمه إن وجد أنه لم يوفق فيه، وأن يكون القاضي واسع الاطلاع عالما بالأحكام والمذاهب الفقهية المختلفة والأنظمة، حريصا على الحكم بما أنزل الله، بعيدا عن الهوى والمجاملات.. والله المستعان !!.