أكل أدب إلا الأدب الإسلامي؟
- القسم الاسلامي
- 20/9/2011
- 1381
- د. وليد قصاب-الجزيره
أكل أدب إلا الأدب الإسلامي؟
لا ينقضي العجب من طائفة من أدبائنا ونقادنا يفتحون نوافذهم وأبوابهم على مصاريعها لكل مذهب أدبي، أو منهج فكري، أو فلسفة أو نحلة، تأتيهم من الغرب، مهما كان هذا الذي يأتيهم تافهاً، أو شاذّاً، لا يقبله عقل، ولا دين، ولا فطرة إنسانية سليمة، ثم يغلقونها في وجه كلّ ما هو عربي أو إسلامي. يشرعون جميع مداخلهم لكل ما هو مصنّع معدّ في مصنع الآخر، ويغلقونها في وجه ما هو وارد من مصنعنا، أو أعدته أيدينا.
هل هنالك مذهب أدبي، أو منهج نقدي، أو فلسفة، أو نحلة، ممّا تمخضت عنه عقولُ أولئك القوم، الصحيحةُ أو السقيمة إلا دخل إلى أدبنا ونقدنا وفكرنا وفلسفتنا، وتأثر به مبدعونا ونقادنا ومفكرونا، ودرّسه الأساتذة لطلبتهم في جامعاتنا ومعاهدنا ومدارسنا، من غير أن يضيقوا به ذرعاً؟
إنه -ومن قبيل التمثيل- أن طائفة من السكارى والحشاشين تجتمع في خمارة فولتير في فرنسا، ويلهمها السكر والتحشيش ضرباً من الهذيان تسميه «الدادائية» أو «الدادية» وهي كلمة لا معنى لها، ولكنها تشير إلى رفض العقل والمنطق والواقع، وكل ما هو واضح مفهوم، وتسمي هذا الهذيان مذهباً، ويقبل بعض نقادنا ومفكرينا ذلك منها، بل تقلّده طائفة من أدبائنا، ويدخل إلى ثقافتنا، ويعرفه باحثونا وطلبتنا، ثم تجد من هؤلاء وغيرهم من ينكر عليك أن تدعو إلى أدب إسلامي، أو منهج عربي، وتتفجر البلاغة على لسانه، ليقول لك: إن هذا المصطلح لم يعرفه الأسلاف؟ وإنه بدعة مستحدثة، وقد يشبه بعضهم هذه «البدعة» الأدبية بالبدعة في الدين.
أيعقل أن يكون الخزي قد بلغ ببعض من أدبائنا ونقادنا مبلغ أن يقبل أية ملة إلا ملة تصدر عن مشكاة الإسلام، وعن تصوراته العقدية؟
أيعقل أن يكون لكل فلسفة أو نحلة أو قوم مذهب في الأدب، ومنهج في النقد، ونظرية في الفكر والثقافة، وأن يُقبل ذلك كلُّه منهم، وأن يُعرف ويعرّف به، وأن يصبح موضوعاً للدرس والتداول والاحتذاء، ثم لا يكون مثل ذلك لما يصدر عن الإسلام والمسلمين؟
ولو أن الذي ينكر ذلك هم غير المسلمين من أعدائه وحساده ومبغضيه لهان الأمر، وليَِسَر الخطب، ولما حزّ ذلك في النفس، ولكنه خطب عظيم، وأمر غير هين ولا يسير، وهو يحزُّ في النفس حزّ السيف أن يصدر ذلك عن مسلمين، أن تجد أستاذََاً أو ناقداً أو باحثاً من المسلمين يتحدث عن كل مذهب، ويروج لكل منهج من شرق وغرب، ولكنه يتحرج أن يتحدث عن مذهب إسلامي، وينكر ذلك ويدافعه أشد المدافعة، بل ينكر عليه حق الوجود والحياة.
إن الذي لا يقبل مذهب الأدب الإسلامي بديلاً نقدمه لهذه المذاهب الغربية التي غزت أدبنا العربي، وأزهقت روحه وأصالته، وأخرجته عن لبوسه وسمته: فكراً وفناً، رؤية وأداة، معنى وشكلاً، فليقبل به - على الأقل - واحداً من المذاهب والتيارات الكثيرة التي تزخر بها الساحة الثقافية عندنا، وينافس بعضها بعضاً، وليعترف به اتجاهاً موجوداً في الساحة الثقافية، قبله أم رفضه، وأعجب به أم لم يُعجب، مثلما هو يفعل تجاه المذاهب والتيارات الأخرى.
ما أكثر اعتراضنا واعتراض غيرنا على كثير أو قليل من المناهج والأفكار والنظريات المحيطة بنا! ولكنا جميعاً لم ننكر وجودها، ولا تجاهلناها، ولو فعلنا لعدّ ذلك تقصيراً علمياً منا، ولقلل من هيبتنا الثقافية، ولذلك بادرنا -بكلّ حماسة- فتعرّفناها وعرّفنا بها، وذكرنا ما لها وما عليها.
أية عقيدة في الوقت الحالي أوسع انتشاراً، وأكثر أتباعاً، وأعمق فكراً وتصورات، وأشمل لجميع قضايا الكون والإنسان والحياة من الإسلام؟ أفيجحد الجاحدون أن يكون لهذا الدين الإنساني العظيم الذي يعتنقه ما يزيد على المليار مسلم أدب يمثله؟ ويصدر في تصوراته عنه؟
وإذا صح زعم من زعم -وما هو بزعم صحيح- أن أسلافنا لم يدعوا إلى مثل هذا الأدب، ولا عرفوه، أفيصلح ذلك مسوغاً حتى لا ندعو نحن إليه، ونعرّف به، ونضع له مصطلحاً يميزه؟ أفهذا هو المصطلح الوحيد الذي لم يعرفه أسلافنا وابتدعناه نحن أم أن هنالك مئات بل آلافاً من المصطلحات والعبارات التي نستعملها اليوم ولم يعرفوها؟
لن تكون ثقافتنا العربية الإسلامية ولا أية ثقافة أخرى جديرة بالبقاء إذا لم تنجح في إنتاج خصوصية تميّزها من غيرها. وإن أية حضارة أو ثقافة لا تمتلك نظرية خاصة عن أدبها وفكرها لا بدّ أن تقع أسيرة لنظريات الآخرين، وأن تستجدي خطابهم، وأن تعيش على موائدهم.
وإذا كان خطابنا الأدبيّ أو النقديّ صورة من خطاب الآخرين الأدبيّ والنقديّ، أو تقليداً له؛ فإن هذا يعني- في المفهوم الأوسع والأصرح- أن نقول: إنه لا أدب عندنا، ولا نقد. لا قصة ولا رواية ولا شعر ما دمنا لا ننتج إلا المحاكي، وما دام كلُّ شيء -عندنا حتى يكتسب شرعيته- لا بدّ أن يمرّ عبر بوابة الآخرين.
إن الأدب الإسلامي هو حقيقة لا يملك أحد -سواء أكان موافقاً على وجوده أم لا، وسواء أكان معجباً بما يقدّمه أم لا- أن يجحدها، بدأ بنزول القرآن الكريم، وهو مستمر من يومذاك إلى يوم الناس هذا، وسيبقى ما دام الإسلام، فهو أدب هذا الدين الذي ارتضاه الله للناس كافة ولا يقبل ديناً سواه.
وهذا الأدب ليس حكراً على طائفة أو رابطة أو فئة من الناس، بل هو أدب أنتجه -منذ جاء الإسلام وإلى الآن- أدباء لا يحصيهم العدّ، ونصوصه لا حصر لها، وهي نصوص -شأن أية نصوص من أي مذهب أدبيّ آخر- فيها القويّ والضعيف، والراقي والسخيف. ووجود الضعيف فيها لا ينفي وجودها، ولا يلغي حقيقتها. والدارس المنصف لا يتصيّد النصوص الضعيفة- الموجودة في كل مذهب كما ذكرنا- ليقيم منها وحدها الحجة على أصحابها.
ومن لم يكن مقتنعاً بما تبدعه من هذا الأدب الإسلاميّ طائفة أو رابطة معينة؛ فليبحث- إن كان يتوخّى النصفة والعلم- عن نصوص أرقى عند أدباء غيرهم؛ لأن هذا الأدب موجود عند أي أديب مسلم في كلّ زمان ومكان، بل عند غير المسلمين من أصاب الفطر السليمة على رأي بعضهم.