العنصرية والإعلام

العنصرية والإعلام

 

يجب أن أعترف أولًا بأن الموضوع حساس جدا , وسوف يفهم ويفسر بالخطأ لدى بعض قاصري النظر أو ممن تمتلئ جنباته بالعنصرية، ويستمتع بالاستهزاء بالغير. ولكن موضوع العنصرية الإعلامية يجب أن يطرق في ظل غياب الكثير من القوانين التي تحكمه. وسوف أبدأ هذا الجزء بما أثاره البرنامج الكوميدي "طاش ما طاش" وكعادته السنوية من زوبعة من الانتقادات و الإطراءات، ولكن تداعيات ما قاله الشيخ عائض القرني حول تعرض البرنامج لبعض المؤسسات الدينية ورموزها حركت بعض الردود من الغير على البرنامج .

وأنا هنا لست بصدد ما تم طرحه ولكن شاقني ما خطه قلم أخ عربي من السودان استشاط غضباً من البرنامج فقال: وي وي وي يا فضيلة الشيخ ، عشر سنوات أو يزيد وهذا البرنامج السمج الذي يسمونه طاش ما طاش يسخر من السودانيين، ويشوه اللهجة السودانية العربية الأصيلة حتى بدت وكأنها لهجة مخلوقات فضائية لاعلاقة لها بالأرض ! حدث كل هذا وما يسمى بالكوميديا الخليجية تصنع نمطا معينا للشخصية السودانية (السوداني أسود ، ساذج ، أعجمي ، كسلان) حتى تأثر من كنا نعدهم من الصالحين بتلك البدعة ؟ ولهذا يطرح هذا الأخ السوداني قضية مهمة على شكل سؤال يقول فيه:هل كانت السخرية من الشعوب حلالًا وما تزال كذلك ؟

ولعل الأخ من السودان يريد منا التوقف قليلا مع ما يدور من تشويه عربي - عربي أو سمها "عنصرية عربية إعلامية " متبادلة في إعلامنا العربي حكوميا كان أم قطاعا خاصا. والأمر لا يقتصر فقط على البرامج الترفيهية وإنما وصل الضرر إلى الأخبار والبرامج الوثائقية التي تتسم بالجدة. وفي نفس الوقت الذي نوسع فيه الهوة بين أبناء الأمة العربية بإضفاء صور ذهنية كاريكاتورية عنهم, مع العلم أن صناعة الإعلام يجب أن تنأى بنفسها عن الممارسات العنصرية، وتنشغل بصياغة مفاهيم وحدوية نحن أحوج ما نكون لها في ظل الفوضى في فضاء الإعلام العربي .

ولعنا أيضا نقف قليلا في هذا الجزء عند نوع من العنصرية الإعلامية الموجهة عندما يحتدم الخلاف بين دولتين عربيتين؛ حيث يستمر التشهير والإساءة إلى أن تصلح الأحوال عندها تسود قاعدة "سكتوا وسكتنا". ولكن الجرح أعمق من ذلك.ولذلك هناك من يقول إن الإعلام ما هو إلا انعكاس لواقع عربي مليء بالعنصرية تجاه بعضنا البعض. فكيف هي صورة الخليجي لدى الشعوب العربية وهي بلا شك صورة أزعجت الكثير منا , وكذلك الحال ما هي صورة العرب الآخرين في المجتمع الخليجي؟

طبعا هي صورة مكررة في كل المجتمعات العربية ولكن أردت فقط أن اضرب بها مثلا. أعرف أن بعض الجامعات العربية تدرس على استحياء تلك التصنيفات العربية - العربية ولكنها تخفيها وليست للنشر لما تحمله من مضامين سلبية. وهي ليست حكرا على الإعلام العربي فهناك تصنيفات مماثلة عن الزنوج واللاتينيين في الولايات المتحدة وكذلك بقية الأعراق, مثلها في أوروبا. وبين السويد والنرويج ما يشابه ذلك.

ولقد وضعت شرطية فرنسية من أصول تونسية اسمها سهام سويد كتاباً عن تجربتها في شرطة مطار اورلي الباريسي وما سجلته من عنصرية ضد العرب والأفارقة وغيرهم وحاولوا إسكاتها قبل الوصول إلى الإعلام. إذاً ليس كل ما يدور في الإعلام هو انعكاس سيئ للعنصرية المحلية وإنما هو انعكاس لحراك اجتماعي ضدها.

في اعتقادي أن العنصرية في الإعلام الجاد يمكن التعامل معها عن طريق رفع الوعي والمصالح المشتركة والقوانين، ومواثيق الشرف الإعلامية. ولكن ما يزعجني كثيرا هو "العنصرية الناعمة في الإعلام" والتي ستكون محور الحلقة الثانية في الأسبوع المقبل. ولهذا أرجو أن يكون لنا شأن مع عنصرية الإعلام قبل ان تصلنا عنصرية من الفرس أو الترك كما بدأت تظهر بعض العنصرية ضد العرب في الأعمال الهندية..

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5