العماليق.. «تاريخ الجبابرة» لم يكتب له نهاية!
- العادات والتقاليد الثقافه والتراث
- 12/8/2011
- 2038
- جريدة الرياض- منصور العسّاف
زعموا أن الفراعنة من سلالتهم وحيكت حولهم الخوارق والمعجزات
هكذا هي جزيرة العرب قلاع وآثار وأحافير أقفر منها المكان، وأخنى عليها الزمان.. يحكي لك التاريخ عن كل فرسخ من أراضيها، ويروي حديث أمم سادت ثم بادت، وحضارات تحكي أصول العرب وأجذام النسب العربي بماضيه التليد، وتاريخه المجيد؛ فبين القصور والقبور والبحار والقفار ثمة أمم خلت، وتاريخ يرويه الأجداد للأحفاد عن ثمود وعاد وطسم وجديس وعبيل ووبار وجرهم والعماليق، وكيف قامت الحضارات وتعاقبت الممالك والإمارات لترسم على صفحة التاريخ أسماء "إرم" و "وبار" و"عيلام" و"نبيط" و"عمليق" الذين انتشروا من أرض الجزيرة العربية إلى بقاع الدنيا، ووصف بعضهم بأنهم العرب البائدة، إلاّ أن قبيلة "العماليق" العائدة إلى جدها الأكبر "عمليق" تبقى علامة استفهام في حلها وترحالها ونسبها وأحوالها، والذي يجمع عليه الباحثون أن هؤلاء "العماليق" انقرضوا وزالوا مع زوال أمم عاصرتهم وجاورتهم لتتوزع فلولهم بين أمم عربية اتفق المؤرخون على تسميتها بالعرب الباقية من عدنان وقحطان.
ذرية العماليق
يجمع المؤرخون أن العماليق من ذرية "عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح" -عليه السلام-، وأنهم من أقدم سكان الجزيرة العربية، وهم من يسمون "الجبابرة"؛ إذ قد وصفوا بالطول الفارع، وضخامة الأجسام حتى حيكت حولهم الخوارق والخرافات والعجائب والمعجزات، وحكيت عنهم الأساطير والأخبار، ونُظمت فيهم القصائد والأشعار، بل لقد ساحوا في أرض الجزيرة العربية وتجاوزوها إلى الشام والعراق ومصر، وأقاموا الحضارات والمباني والعمارات، وشقوا السواقي والقنوات، وحكموا البلاد والعباد حتى دانت لهم الأمصار في الأراضي والجزر والبحار؛ فأقام الكنعانيون والآموريون حضارة شهدها البابليون بحدائقهم المعلقة التي وصفت بأنها من عجائب الزمان وشواهد المكان، وقد ذكر "ابن جرير الطبري" أنهم أول من تكلم العربية، وفي هذا خلاف كبير بين الأساطين من المؤرخين والعلماء؛ إذ يقال إن أول من تحدث العربية هو نبي الله إسماعيل عليه الصلاة والسلام.
تاريخ وحضارة
كما يورد الطبري في كتابه الشهير "تاريخ الرسل والملوك" أن قبيلة جاسم التي سكنت يثرب كانت من قبائل العماليق، وقد زخرت كتب المؤرخين الأوائل -الذين تناولوا التاريخ القديم- بأخبار العماليق وحضاراتهم ( 2500ق م) أي قبل (4500) عام من زمننا هذا-، مبرزين ما كانت عليه هذه الحضارة من آثار، وما شهدته من حراك تجاري ونشاط سياسي ونهضة عمرانية فريدة إبان "الحامورابي"، والحدائق المعلقة في بابل، لا سيما وقد عاصروا خروج بني إسرائيل من مصر، وكان اليهود يعدوهم من أشد الخصوم وألد الأعداء، بل قد ذكر "المسعودي" أن الفراعنة من العماليق الذين نزحوا إلى مصر وإلى جد العماليق "إرم" تنسب "ذات العماد" التي ذكرها العزيز الحكيم في كتابه الكريم، حيث قال سبحانه (إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد)، واختلف في موقعها فقيل بالأحقاف جنوب الجزيرة العربية، وقيل في دمشق على أن القول الراجح أنها في بلاد الأحقاف في حضرموت، حيث كان انتشار العماليق من جنوب الجزيرة العربية.
انتشار واسع لجثث العماليق في الجزيرة العربية والشام ومصر والعراق
كما أُلحق بعض العماليق ب"عيص بن إسحاق بن إبراهيم" -عليهما السلام- إلاّ أن نزول "العماليق" و"جرهم" على أمنا هاجر وابنها إسماعيل عليهما السلام بمكة المكرمة بعد تدفق ماء زمزم مروي بالتواتر من العلماء والمؤرخين.
ووصف العماليق بأنهم قبائل بدوية غير مستقرة، وعرفوا بالجلافة وخشونة الطبع، كما وصف أحد زعمائهم من الآمورين بأنه رفيق للسلاح يأكل اللحم نياً، ولا يثني ركبه "أي لا يهزم"، كما لم يمتلك بيتاً طوال حياته، ورغم أن هذا الوصف أطلق عليهم من قبل السكان المستقرين الذين تثبت الأبحاث التاريخية نقيض وصفهم؛ إذ يتحدث التاريخ عن حضارة واسعة أثرت على ما بعدها من الحضارات وما جاورها من الممالك والإمارات.
قوم ثمود!
وقد اعتاد الناس في كل زمان أن يصفوا الأقوام السابقة بكبر الأجسام وضخامة الأحجام، إلا أن الآثار والمآثر التاريخية وقبلها القرآن الكريم لم تطلق هذا الوصف على عمومه، بل قُيد لأقوام بعينها؛ إذ لم يعرف أن قوم ثمود -على سبيل المثال- عُرفوا بالضخامة والجسامة، ومع هذا يصفهم الناس منذ الأزمان السابقة بأنهم قوم كبار الجسم والعظم، غير أن قبورهم وأبواب منازلهم التي نحتوها من الجبال - قبل أن يحل بهم غضب الله عز وجل- مازالت دليل حي وشاهد يحكي حجم أجسامهم التي لا تختلف عن أجسام أبناء زماننا هذا.
طسم وجديس
كان ل"عمليق" -جد العماليق- إخوة يحفظ التاريخ منهم "طسم" و"جديس"، وهما القبيلتان اللتان سكنتا "جو"، وجو قديماً تطلق على أجزاء من نجد سميت فيما بعد باليمامة، وهي الآن مدينتنا "الرياض والخرج"، وقد سكنتها قبيلة "جديس"، أما "طسم" فاستقرت في بلاد هجر والبحرين، إلاّ أن الصراع الذي دب بين أبناء العمومة من "طسم وجديس" كان سبباً في فنائهما وتفرقهما شذر مذر، ولم يبق معها إلاّ الحديث عن زرقاء اليمامة التي ضرب بها المثال في حدة البصر، وذاك حينما حذرت بنو زوجها قبيلة "جديس" من قومها "طسم"، وأنها رأت ذات يوم الأشجار تسير ومن ورائها الرجال فكذبوها وغفلوا عن أخذ أهبة الحرب فقالت:
إن أرى شجراً من خلفها بشر
فكيف تجمع الأشجار والبشر؟
ثوروا بأجمعكم في وجه أولهم
فإن ذلك منكم فالعموا ظفر
وما لبث أن وصلت طلائع "طسم" الذين استنجدوا بالملك الحميري "حسان بن تبع" يقودهم أخو زرقاء اليمامة "رباح بن مرة" الذي حذّر القوم من حدة بصر أخته "يمامة"، وهذا اسمها -ولقبت بزرقاء؛ لزرقة لونها، وقيل لزرقة عينيها- فعمد القوم إلى قلع الأشجار وجعلها أمامهم فهلكت جديس في حرب ضروس وفرّ زعيمها "الأسود بن غفار" في البراري والقفار إلى أن لجأ إلى قبيلة طيء فأجاروه من الملك ومن أعدائه.
ويذكر "المسعودي" أن نسله ما زال في طيء مذكور مشهور عند العرب، كما ذكر "المسعودي" في (مروج الذهب) أن هذه المناطق في زمانه -ويقصد الرياض ويمامة الخرج- تحت حكم "الأخيضر العلوي" من أحفاد "الحسن بن علي"، ويقصد بها حكم "الأخيضيريين" في القرن الرابع الهجري الذي عاصره "المسعودي".
باحث يجمع الرفاة
زرقاء اليمامة
كانت العرب تضرب المثل في حدة البصر بامرأتين "زرقاء اليمامة" و"حذام" التي لم يصدق قومها تحذيراتها من اقتراب العدو لهم حتى هجموا عليهم وهزموهم فقالت العرب:
إذا قالت حذام فصدقوها
فإن القول ما قالت حذام
أما زرقاء اليمامة فلم يغفل المؤرخون الحوار الذي دار بينها وبين الملك الحميري "حسان بن تبع" الذي أمر بنزع عينيها ورأى فيها عروق سوداء فسألها عن ذلك؛ فأشارت إلى حجر الأثمد الذي كانت تكتحل به حتى قيل إنها كانت ترى الشعرة البيضاء في اللبن، وترى الجيش على مسيرة ثلاث ليال؛ مما زاد من تخوف الملك الحميري منها فأمر بها فصلبت على باب "جو" فسمى الملك الغازي بلاد جو باسمها "اليمامة"، وقال وهو خارج من البلاد:
وسميت جواً باليمامة بعدما
تركت عيوناً باليمامة هملا
وبقيت التسمية إلى هذا الوقت ووثّق التاريخ اسمها مع "كيلوباترا" و"الزباء" و"سميراميس" كأشهر نساء الزمن الأول.
العرب البائدة
وكان "عاد بن إرم بن سام بن نوح" قد سار بولده إلى الأحقاف وهو يقول:
إني أن عاد الطويل البادي
وسام جدي ابن نوح الهادي
فقد رأيتم يعرب الزيادي
وسوقه الطارف والتلاد
أما "ثمود بن إرم بن سام بن نوح" فسار بولده إلى وادي القرى بين الشام والحجاز، وسكن "عيلام بن سام بن نوح" ومن بعده و"أميم بن لاوي بن إرم" في الأحواز وفارس، وحل "نبيط بين إرم بن سام بن نوح" أرض بابل بالعراق، ونزل "وبار بن أميم" إلى الأرض التي سميت باسمه "وبار"، ونزلت "داسم" بأرض السماوة بالعراق والجولان ببلاد الشام، أما "عبد ضخم بن إرم" فنزل الطائف، ومن هؤلاء كان العرب البائدة "طسم وجديس وجرهم وثمود وعاد"، ومنها الأقوام التي أنزل الله سبحانه عليها غضبه ونقمته جراء كفرهم وعصيانهم، ناهيك عمن تفانوا منهم بالحروب والتحقت فلولهم بعدنان وقحطان لتعاود القبائل العربية -من جديد- انتشارها من رحم العرب الأول الجزيرة العربية.
باحثون يكتشفون إحدى المقابر
باحثون ينقبون عن تاريخ مضى عليه 4500 عام
عاملان يحفران قبور العماليق في مصر