خصوصيَّتنا المزعومة.. ليتنا نستغلها!
- القسم العام
- 8/8/2011
- 1469
- د.سليمان بن عبد الله السكران - الاقتصاديه
من بين ما نجعله سبباً بين الحين والآخر لكثير من الأشياء التي لا يوجد لها تفسير واضح في حياتنا الاجتماعية بالذات، وبالتالي الاقتصادية منها؛ هو الخصوصية التي غدت شماعة لتفسيرات تصرفات كثيرة لا حصر لها. فأسواقنا تتصرف لأنها ذات خصوصية، ومباني بيوتنا بهذه الطريقة لأننا ذوو خصوصية، وأعمالنا تسير وفق طريقة وتوقيت مختلف نظراً لخصوصيتنا، وهكذا... حتى إنك تستطيع أن تسقط الخصوصية على كل شيء تقريبا لتقنع الآخرين أن السبب وراء ذلك هو "الخصوصية".
وهذه النظرة الخصوصية مما لا شك فيه ولّدت وتولّد مسارات اقتصادية مختلفة، بل تفتح ربما آفاقا جديدة في محيط الأعمال، وتخلق أنماطاً من الأسواق التي تتفق وهذه الخصوصية، ولا يوجد عيب في ذلك إلا حينما تكون الخصوصية تلك مصدر هدر للمصادر المتاحة أو عدم كفاءة في التشغيل. أما إذا كانت هذه الخصوصية سبباً في خلق سوق جديدة أو نمط مغاير لما هو معروف في بيئة أفضت بسببها الخصوصية إلى الإبداع وتنمية الكفاءة والنضج، فذاك يعتبر ميزة تنافسية جيدة تعزز من القدرات الاقتصادية وتعضد من أدائها.
والأمثلة على ذلك لا حصر لها، ولنأخذ مثالاً بسيطاً جداً لإحدى خصوصياتنا في النمط الاستهلاكي مثلاً، الذي لم تسعفنا فيه هذه الخصوصية إلا لتدن واضح وقصور في آليات السوق. من المعروف أن المجتمع السعودي يستهلك من اللحوم الحمراء، لحوم الأغنام، بشكل مختلف عن كثير من الأسواق، غير أن سوق هذا المنتج ما زال تعتبر - في نظري - كمستهلك أو كاقتصادي، سوقا غير ناضجة وغير منظمة إلا في بعض جوانبها الكبيرة الضرورية جدا على الرغم من خصوصيتنا في جعل "لحم الأغنام" أهم مكون رئيس لكثير من معيشتنا اليومية لنكون من كبرى الأسواق لهذا النوع من اللحوم. فمفهوم التقييس مثلاً في هذه السوق لم يستطع أن يتجاوز أبجدياتها، والتسعير العادل غير متوازن، بل حتى سعودة هذه السوق غير مضبوطة، والتلاعب في محاورها (شعير وأعلاف وغيرهما) دون حساب شيء غير مستغرب بحسب المناسبات. وهذه سلعة واحدة وسوق واحدة، غير أن خصوصيتنا في الاستهلاك لهذا النوع من اللحوم لم تستطع أن ترفد استقامة السوق وضبطها على الرغم من أن هذه الخصوصية يجب أن تكون ميزة تنافسية وفرصة اقتصادية. ولعلي لا أبالغ إن قلت إن الأمثلة لا حصر لها في تلك "الخصوصية" التي بدلاً من أن تكون فرصة للإبداع صارت عنواناً لأسباب التقصير على الرغم من تاريخية السوق لذلك المنتج أو تلك.
إن التنمية الاقتصادية عادة ما تستغل مثل هذه الخصوصية لتخلق سوقاً خاصة بها ليتفق معها في إبداع وابتكار وتطوير للسلع والخدمات في تنافس محصلته النهائية جودة المنتج وعدالة التسعير، إلا أن في نموذجنا للخصوصية عكس ذلك. إن واحداً من الأسباب المهمة لهذه المحصلة أننا نقلّد فقط ولا نطوّر شيئاً لنا خلقته هذه الخصوصية، وهذا ربما نتاج "خصوصيتنا" المزعومة!