شاعر الحوليات؛

شاعر الحوليات؛

 

كان زهير بن أبي سُلمى يلقب بشاعر الحوليات؛ لأنه لا يخرج قصيدته للنور إلا بعد حول كامل. فهو ينظمها في أربعة أشهر، ويهذبها في أربعة أشهر، ويعرضها على خاصة الشعراء في أربعة أشهر، ولا ينشدها للناس إلا بعد مرور حول كامل! فتظهر للناس قصيدة رصينة المعنى قوية اللفظ، سلسة بالغة الروعة، زاهية الجمال، غنية بالجزالة، مشحونة بالانفعال العاطفي، ومشعة بالخيال ومشرقة بالإبداع اللفظي، عدا عما تحمله من صور جمالية خلابة تشعرنا بالسمو في اللفظ والنبل في المعنى!

وإذا علمنا أن زهير بن أبي سُلمى لم يدرك الإسلام الذي نقى الأفئدة من براثن العبودية، وهذّب اللسان من سوء اللفظ؛ وأخضع النفوس من جبروت التكبر، فإننا نعجب من بعض المسلمين المثقفين الذين درسوا المنهج الإسلامي خلال سنوات التعليم العام والجامعي أكثر من خمسة عشر عاما وينتمون للتيار الإسلامي المتشدد حسب ما ينبئ عنه مظهرهم وأسلوب خطابهم!! وتتفاجأ بأن ما يلقونه بالغ التفاهة والضحالة في المعنى، والفظاظة في اللفظ، والسطحية والهشاشة في عرض الصورة وظلمة الخيال، عدا عن الابتذال والإسفاف وسقامة الذوق.. وبرغم ذلك تستقطبهم القنوات الفضائية وتستنفرهم مع من تستجلب من بعض الدعاة والأطباء النفسيين المهووسين بالكلام والتفريغ!

وقد ساء الناس كلهم ما سمعوه من الطبيب السقيم عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ووصفه بمشاعر النقص لزواجه من السيدة خديجة رضي الله عنها، وحاشاه من النقص وهو الذي قال عنه سبحانه وتعالى {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. وكان يلقب بالصادق الأمين حتى قبل النبوة.

فهل أصبح الظهور الإعلامي مبتغىً وهدفا تهون أمامه حقائق وتقلَّب، حتى تتحول الشخصية العظيمة التي اصطفاها الله على جميع الخلق إلى سلع رخيصة ومبتذلة ؟ فقط لكي يبدو هذا الطبيب نابغة وسابقا لغيره في التحليل النفسي؟! أم أصبح الهوس بالإعلام دافعاً لتطيش الكلمات فجة مبعثرة بلا تفكير وروية دون أن يُترك للفكرة فرصة الاختمار قبل نبوتِها والكلمة قبل إذاعتها؟ أو أن يوفر لها أسباب القبول من خلال التنقيح والتهذيب، بدلا من إرضاء حاجة الكلام في النفس وتأصيل الغرور الزائف فيها وحسب؟!!

إن لم يكن الظهور في وسائل الإعلام للحصول على فائدة، ولتحقيق هدف سام أو إضاءة طريق معتم؛ فليس المشاهد بحاجة لمن يدلـِّس على رمزه الأوحد عليه الصلاة والسلام، أو يشكك بوحدة أمة على حب أوطانها واجتماعها على تلك الوحدة وانتمائها العميق لتلك البلاد.

وإن لم يملك الداعية أو الطبيب أو المثقف موهبة الحديث الموزون، والثقافة الحقيقية عبر لغة فنية وعاطفة جياشة وتجربة غنية ليوقد قناديل التفاؤل في نفوسنا ويزرع بذور الأمل في قلوبنا ويجدد ثقتنا برموزنا فيجعل للحياة طعما متميزا؛ فلا داعيَ لحشو البرامج بنماذج هزيلة تشعرنا بالإحباط والهزيمة النفسية.

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5