الشاعر التقني !!
- مما أعجبتني ( نبطي عرضه قلطه)
- 16/6/2011
- 1770
- د. نايف الجهني - الرياض
قديماً وحديثاً وبخاصة الإنسان الذي يمتلك أساليب وأدوات معينة للتعبير الجمالي ، الأمر الذي دفعه باستمرار إلى التعامل مع مظاهر المكان تعاملاً خاصاً ومنفرداً في جميع أشكاله ، وهذا ما عكسه عنصر الوقوف الطللي أو الوقوف على الأطلال لدى الشعراء الأوائل.
وكان الشاعر على مر النصوص والأزمنة أداة فعّالة لرسم المكان وتصوير أبعاده ، من خلال نقل المتلقي له نقلاً حيّا ، وكأنه يقوم بدور التقنية الحديثة التي تمكّن الذي يجلس في منزله من تصفّح تضاريس العالم وأمكنته ، وكانت قصائد الشعراء الجاهليين هي أكثر القصائد تحقيقاً لهذا الدور ، خاصة وأن فلسفة المكان في أعماقها كانت هي الركن الذي تستند عليه الحالة الشعرية في تجلّيها واستمرار تدفقها ، وفي شعرنا الشعبي أيضاً حضر المكان كمحور رئيس في بناء القصيدة العامية ، انطلاقاً من وصفه بشكل دقيق ومروراً بنقل انعكاساته على الواقع الداخلي للشاعروتقاطع حالة المكان التاريخية مع الحالة النفسية له ، باعتبار أن المكان هو المجال الذي تجري فيه الأحداث التي ينطلق من خلالها الشاعر في كتابة قصيدته.
وحينما نقرأ قصائد شعراء العامية الذين تأثروا في بنية النص الجاهلي نجد أنهم تجاوزوا حالة الوصف وبيان العلاقة مع المكان إلى حالة التغنّي به والتعمّق في تصويره وتحديد معالمه ، مما يعكس شعورهم بالرغبة في نقل المتلقي نقلاً حقيقياً للمشهد الجغرافي كما ذكرت .
ولعل تأكيد النقّاد على أن الشعر العربي هو شعر مكان ، يفضي إلى ضرورة الحديث عن تقمّص المكان في بعض التجارب الشعرية من قبل بعض الشعراء ، وقيام بعضهم بالحديث نيابة عنه ، واستنطاقه ، وهذا أيضاً لا نجده بكثرة إلا لدى شعراء القصيدة العامية الذين جعلوا المكان يتحدث ويشعر ويتنفس الحالة الداخلية للشاعر ويتقاسم معه الألم ، بوصفه شريكاً في الحالة الإنسانية والفنية . وهذا ما ذهب إلى جزء منه بعض الباحثين الذين رأوا أن حضور المكان يعد تطهيراً لنفس المبدع ، حيث يساعدها على تخطّي الألم وتجديد الطاقات لشحذ المزيد من الصور الإبداعية للحديث عن الحالة بمشاركة طاقة المكان وحالته الجمالية .