خلينا نشوفك

خلينا نشوفك

 

انتقلت إلى قسم جديد لكني فوجئت بأن رئيسي المباشر وخلال أول اجتماع أسبوعي لي مع زملائي وهو يوجه رسالة مفادها أنه يجب علينا الانضباط في مواعيد الحضور والانصراف، فقلت بيني وبين نفسي ربما هي رسالة عامة وعابرة لكن هذه الرسالة تكررت خلال الاجتماعات التالية مما جعلني أتساءل مقاطعاً "عفواً أنا لا زلت موظفاً جديداً في هذا القسم فهل تقصدني أنا بهذه الرسالة؟!"، فنظر إلي ورد قائلاً "لا أبدا لا أقصدك بعينك لماذا؟"، فقلت "لأنني منذ أن حضرت هذه الاجتماعات وأنا أسمعك تكرر هذه الرسالة"، فرد قائلاً "هذه من أنظمة الشركة التي يجب التقيد بها ومن المهم أن أنبه عليها بين فينة وأخرى"، فأجبت بسذاجة "لكن هناك أنظمة أخرى في الشركة يمكن التنبيه عليها ولكن تكرار هذه الرسالة يجعلني أظن أن هنالك من لا يتقيد بها لذلك أتمنى منك إما أن تخاطبه بعينه أو أن تستثنيني من هذا الاتهام"، وكما يقال رب كلمة قالت لصاحبها دعني لذلك تم استثنائي من هذه الرسالة ومن الاجتماع بل ومن القسم كله وهذه أول مرة أتعرف بهذا النوع من الاتصال الغير فعال والمسمى بالاتصال الغامض.

أعلم أنه كان درساً لا ينسى لكننا للأسف لا زلنا نعيش يومياً أنواعاً من الاتصال الغير الفعال لذا تجد معظم النتائج التي نحققها غير مجدية بل ومضيعة للوقت، وما ذكرته هو نوع واحد فقط من أنواع الاتصال الغير الفعال لكن هنالك الكثير منها أذكر منها "الاتصال المتشعب" وهو مثل ما حدث في أحد ورش العمل التي كانت عن موضوع التحفيز حين طرح المسئول سؤالاً للنقاش لبحث أسباب تدني كفاءة الموظفين لكنه لم يدرك أنه أضاع نفسه في التيه، فهناك من علل بقلة الحوافز وبطء عجلة الترقيات وانعدام روح الفريق وهناك من كان يثرثر ليصل في تحليلاته إلى عدم توفر مواقف السيارات وعدم اهتمام الموظفين بنظافتهم الشخصية حتى استرسل أحدهم بحديثه إلى أن توصل أن من ضمن الأسباب هو ظهور علامات الساعة الصغرى. والسبب هو أن هناك من يدلى بدلوه ولكن لا يهم أين يدليه ولا متى ولا لماذا، متناسياً أن لكل مقام مقال وأذكر أيضاً "الاتصال الصاخب الهادئ" الذي يجمع بين النقيضين إذ تجد الخطيب يثور ويصول ويجول أما المستمعين فهم في عالم آخر من الشرود هذا إن لم يكونوا في سبات، والسبب هو أن الخطيب أضاع جهده في الصراخ لكنه لم يستطع أن يخلق الاهتمام اللازم ليجد آذاناً صاغية.

قد أكون محظوظاً أنني حضرت محاضرة عن الاتصال الفعال وتعلمت بعض المهارات في مجال تبادل المعلومات ولكن ليس بالضرورة أننا نحتاج إلى ذلك حتى نمارس الاتصال الفعال وبالأخص إذا قمنا بتطبيق بعض القواعد بسيطة، فمثلاً يجب أن تكون رسالة المتحدث مناسبة لعقلية المتلقي حتى يتم التجاوب معها على المستوى المطلوب كما قال أمير المؤمنين على ابن أبي طالب (كرم الله وجهه) "حدثوا الناس بما يعقلون"، ويجب أيضاً مراعاة تجنب التكرار والذي يدل على خطأ في التوصيل وقد يفهم بصورة خاطئة، أو غموض في المعنى وهو دليل على الضعف في التعبير أو انعدام المصداقية والتي تدل على عدم وجود الثقة.

أما المتلقي فعليه أن يكون على قد قدر من الوعي والإنصات ويراعي التوقيت والسلوك ليتسنى له التجاوب والمناقشة بموضوعية فكل هذه الأمور قد تؤدي إلى اضطراب في الاتصال وتجعل المتلقي غير قادر على فهم مضمون كلام المتحدث كما يقصده تماماً، و قبل أن أختم أحب أن أذكر أسوأ أنواع الاتصال على الإطلاق وهو "الاتصال المفقود" وهو تماماً كما تشاهده في البرامج التلفزيونية الجدلية سواء عن الرياضة أو السياسة لدرجة أنك لا تعرف من المتحدث أو المستمع بين المذيعين والضيوف ولا زلت أذكر ذلك المثل الشعبي الذي كانت تضربه أمي – رحمها الله – للتعبير عن المعنى الفعلي للاتصال الغير فعال إذ كانت تقول "أن رجلاً أعمى أراد أن يودع رجلاً أصماً (أطرش) فقال له بكل حرارة "خلينا نشوفك".

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5