الفرق بين النفس والروح
- القسم الاسلامي
- 23/2/2020
- 1193
- منقول للفائده
الفرق بين النفس والروح
قد اختُلِف في حقيقة النفس : ما هي؟ وهل هي جزء من أجزاء البدن؟ أو عرَض من أعراضه؟ أو جسم مساكن له مودَع فيه؟ أو جوهر مجرد؟
وهل هي الروح، أو غيرها؟ وهل الأمَّارة، واللوَّامة، والمطمئنة نفس واحدة، أم هي ثلاث أنفس؟ وهل تموت الرُّوح، أو الموت للبدن وحده؟ وهذه المسألة تحتمل مجلدًا، ولكن أشير إلى الكلام عليها مختصرًا، إن شاء الله تعالى:
فقيل: الرُّوح قديمة، وقد أجمعت الرُّسل على أنها محدَثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبَّرة، وهذا معلوم بالضرورة من دِينهم، أن العالم محدَث، ومضى على هذا الصحابةُ والتابعون، حتى نبغت نابغة ممن قصر فهمُه في الكتاب والسنَّة، فزعم أنها قديمة، واحتج بأنها من أمر الله، وأمره غير مخلوق! وبأن الله أضافها إليه بقوله: ﴿ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾ [الإسراء: 85]، وبقوله: ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ﴾ [الحجر: 29]، كما أضاف إليه عِلمه وقدرته، وسَمْعَه وبصره ويدَه، وتوقَّف آخرون.
واتفق أهل السنَّة والجماعة أنها مخلوقه، وممن نقَل الإجماعَ على ذلك: محمد بن نصر المروزيُّ، وابن قتيبة، وغيرُهما.
ومن الأدلة على أن الرُّوح مخلوقة: قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الرعد: 16]؛ فهذا عام، لا تخصيصَ فيه بوجه ما، ولا يدخل في ذلك صفاتُ الله تعالى؛ فإنها داخلة في مسمى اسمه؛ فالله تعالى هو الإلهُ الموصوف بصفات الكمال؛ فعِلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره وجميع صفاته داخلٌ في مسمى اسمه؛ فهو سبحانه بذاته وصفاته الخالق، وما سواه مخلوق، ومعلوم قطعًا أن الرُّوح ليست هي الله، ولا صفة من صفاته؛ وإنما هي من مصنوعاته، ومنها قولُه تعالى: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾ [الإنسان: 1]، وقوله تعالى لزكريا: ﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾ [مريم: 9]، والإنسان اسم لرُوحه وجسده، والخطاب لزكريا، لرُوحه وبدنه، والرُّوح توصف بالوفاة والقبض، والإمساك والإرسال، وهذا شأن المخلوق المحدَث.
وأما احتجاجهم بقوله: ﴿ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾ [الإسراء: 85]، فليس المراد هنا بالأمر الطلب، بل المراد به المأمور، والمصدر يُذكَر ويراد به اسمُ المفعول، وهذا معلوم مشهور.
وأما استدلالهم بإضافتها إليه بقوله: ﴿ مِنْ رُوحِي ﴾ [الحجر: 29] فينبغي أن يُعلَم أن المضافَ إلى الله تعالى نوعان:
صفات لا تقوم بأنفسها؛ كالعلم، والقدرة، والكلام، والسمع، والبصر؛ فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها؛ فعِلمه وكلامه وقدرته وحياته صفاتٌ له، وكذا وجهُه ويدُه سبحانه.
والثاني: إضافة أعيان منفصلة عنه؛ كالبيت، والناقة، والعبد، والرسول، والرُّوح؛ فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه، لكنها إضافة تقتضي تخصيصًا وتشريفًا، يتميز بها المضاف عن غيره.
واختلف في الرُّوح: هل هي مخلوقة قبل الجسد أم بعده؟ وقد تقدم عند ذكر الميثاق الإشارة إلى ذلك.
واختلف في الرُّوح: ما هي؟ قيل: هي جسم، وقيل: عرَض، وقيل: لا ندري ما الرُّوح، أجوهر أم عرض؟ وقيل: ليس الرُّوح شيئًا أكثرَ من اعتدال الطبائع الأربع، وقيل: هي الدم الصافي الخالص من الكدرة والعفونات، وقيل: هي الحرارة الغريزية، وهي الحياة، وقيل: هو جوهر بسيط منبعِث في العالم كله من الحيوان، على جهة الإعمال له والتدبير، وهي على ما وصفت من الانبساط في العالم، غير منقسمة الذات والبنية، وأنها في كل حيوان العالم بمعنًى واحد لا غير، وقيل: النَّفس هي النَّسيم الداخل والخارج بالتنفُّس، وقيل غير ذلك.
وللناس في مسمى (الإنسان): هل هو الرُّوح فقط، أو البدن فقط، أو مجموعهما، أو كل منهما؟ وهذه الأقوال الأربعة لهم في كلامه: هل هو اللفظ، أو المعنى فقط، أو هما، أو كل منهما؟ فالخلاف بينهم في الناطق ونطقه، والحق: أن الإنسان اسمٌ لهما، وقد يُطلَقُ على أحدهما بقرينة، وكذلك الكلام.
والذي يدلُّ عليه الكتاب والسنَّة وإجماعُ الصحابة وأدلة العقل: أن النفس جسمٌ مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نُوراني عُلْوي، خفيف حي متحرك، ينفُذُ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدُّهن في الزيتون، والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحةً لقَبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي ذلك الجسمُ اللطيف ساريًا في هذه الأعضاء، وإفادتها هذه الآثار، من الحس والحركة الإرادية، وإذا فسدت هذه، بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجت عن قَبول تلك الآثار - فارق الرُّوحُ البدنَ، وانفصل إلى عالَم الأرواح.
والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ [الزمر: 42] الآية، ففيها الإخبار بتوفِّيها وإمساكها وإرسالها، وقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ﴾ [الأنعام: 93]، ففيها بسط الملائكة أيديَهم لتناولها، ووصفها بالإخراج والخروج، والإخبار بعذابها ذلك اليوم، والإخبار عن مجيئها إلى ربها، وقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ﴾ [الأنعام: 60] الآيةَ، ففيها الإخبارُ بتوفِّي النَّفس بالليل، وبعثها إلى أجسادها بالنهار، وتوفِّي الملائكةِ لها عند الموت، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30]، ففيها وصفها بالرُّجوع والدخول والرِّضا، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الرُّوح إذا قُبِض تبِعه البصر))، ففيه وصفه بالقبض، وأن البصر يراه، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث بلال: ((قبَض أرواحَكم حين شاء، وردَّها عليكم حين شاء))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((نَسَمة المؤمن طائر تعلُقُ في شجر الجنة))، وهناك أدلةٌ كثيرة من خطاب مَلَك الموت لها، وأنها تخرُجُ تسيل كما تسيل القطرة مِن فِي السقاء، وأنها تصعد، ويوجد منها من المؤمن كأطيبِ رِيح، ومن الكافر كأنتنِ ريح، إلى غير ذلك من الصفات، وعلى ذلك أجمع السلف ودَلَّ العقلُ، وليس مع من خالف سوى الظنون الكاذبة، والشُّبَه الفاسدة، التي لا يُعارَض بها ما دل عليه نصوصُ الوحي والأدلة العقلية.