قصة الجرذ والحديد والتاجر

قصة الجرذ والحديد والتاجر

 

ضاقت السبل يوما في وجه تاجرالمدينة فأراد أن يضرب في الأرض فيجرب حظه. وكان له صديق يثق به فجاءه في يوم قد ارتسمت على وجهه علامات القنوط فقال ياصاحبي لقد ضاقت عليّ الأمور في هذه البلدة ويقولون

ضاقت السبل يوما في وجه تاجرالمدينة فأراد أن يضرب في الأرض فيجرب حظه. وكان له صديق يثق به فجاءه في يوم قد ارتسمت على وجهه علامات القنوط فقال ياصاحبي لقد ضاقت عليّ الأمور في هذه البلدة ويقولون إن السفر له عشر فوائد؛ من انشراح الصدر، وانتفاخ الجيب، وتجديد الحياة، والتعرف على مذاقات جديدة من الأطعمة، ورؤية طبيعة لم يحلم بها، والتعرف على شعوب وأمم لم يلتق بها، وكسب تجارب جديدة، ومشاهدات مثيرة. وأنا عازم على السفر، ولدفع خوف الفاقة والانقطاع فأنا راغب في وضع أطنان من الحديد لي أبقيها أمانة عندك لحين عودتي.
قال الصديق اعلم أخي أن الصديق للصديق أمانة وجنة وستر عورة ومستودع أمان وأمانة فانطلق راشدا.
سر الرجل وانبسطت أساريره وارتاح للبضاعة المخزونة عند الصاحب الوفي، ثم ما لبث أن ضرب في الأرض فتابع الرحلة وحصد الثمر ورجع بعد غياب.
حين دخل المدينة قصد صديقه التاجرالذي ائتمنه على أطنان الحديد وحديثه مليء بالمشاهدات والخبرات، إلا أنه لاحظ الكمد في وجه صاحبه، فقد أصابته السنون فباع الحديد وبدأ يخطط للتنكر للأمانة.
قال له ياصاحبي الجرذان عندنا مخيفة وأنا آسف أن أخبرك أن حديدك التهمته جرذان المستودع؟
سمع التاجر الحكاية ولم يظهرالتعجب قط بل علق فقال: نعم معك الحق في هذا فالجرذان مشهورة بحدة أسنانها وعزمها في القرض والالتهام.
فرح الصديق وقال له عزمت عليك بالله أن تأتي غدا فتتعشى عندي.
قال التاجرالحديد خسرناه وعزيمتك لن أخسرها وأنا آتيك غدا إلى الوليمة.
انصرف التاجر متعجبا من غدرالأصدقاء وقلة الوفاء، وتذكر قول الرحمن "يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود"، والحض على الأمانة ورد الأمانات مهما كانت الظروف.
ثم إنه دار في السوق فرأى غلاما لهذا الصديق فأخذه على حين غفلة قال تعال سأعطيك طعاما طيبا، ثم إنه أخذه فحبسه في غرفة وقال اجلس هنا فلا تبرح.
في اليوم التالي ذهب إلى الوليمة فرأى صاحبه وقد علته الكآبة وغشيه لون من الذهول وتبدُل الخاطر!
قال ما خطبك ياصاحبي؟
قال أحد أولادي فقدته منذ البارحة فلا أعرف إلى مكانه سبيلا ؟
قال التاجر : آه .. آه تذكرت لعله البوم الذي حمل ابنك في الجو, فقد رأيت الطير وهو ينزل إلى الأرض ثم يخطف طفلا صغيرا..
ثم ما لبث أن وصفه بالأوصاف التي يعرفها والده فصاح إنه هو ثم مالبث أن نظر إليه من جديد والاستغراب يعلو وجهه ولكن يا صاحبي وهل يعقل ما تقول أن ينزل بوم وزنه رطلان فيحمل صبيا وزنه خمسون رطلا؟
قال التاجر إن بلدكم بلد العجائب يمكن أن يحدث فيه كل شيء؛ جرذان تقضم الحديد، وبوم يخطف الأطفال أليس كذلك؟
استحى الرجل قليلا، وقال قد صدقت وأنا قد بعت الحديد في يوم بؤس شديد وضائقة مالية وهذا حقك أرده إليك..
إنها عينة من قصص الحياة في تبدل الناس وأثر الظروف في الأخلاق، والذكاء في حل المشاكل بطريقة ذكية بدون نزاع وصراخ ودماء ..
ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا..

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5