التسامح قيمة إسلامية نبيلة يظهر جوهر الإسلام
- مفالات صحفيه (منقوله)
- 7/7/2016
- 1653
- بقلم - الشيخ عادل العبدالقادر -صحيفة اليوم
التسامح قيمة إسلامية نبيلة يظهر جوهر الإسلام
بقلم - الشيخ عادل العبدالقادر
ان من اجمل مزايا الاسلام.. ومن كريم خصالة العظام.. انه ربى اتباعه على اعظم الاخلاق واجملها واكمل الطباع وافضلها.. كيف لا.. وسيد البشر ادبه ربه ورباه.. على اجمل الطباع جبله وهداه صلوات الله وسلامه عليه..، ومن الخلال الحسنة.. والطباع المستحسنة.. التسامح
@ فما هو التسامح يا ترى؟
التسامح: خلق عظيم.. ومنهج قرآني قويم.. فهو العفو عن الزلل.. والصفح عن الخلل، ولا يوفق اليه.. الى من احبه الله ورضيه من المقربين اليه، ونفس المسامح نفس ساميه، كريمة عالية، لماذا؟ لانك لن تسامح الا من ظلمك.. واخطأ عليك وجار!! وهل يقدر على هدا الا من تربى على مائدة القرآن، وانصقل باخلاق سيد ولد عدنان، وووافق هذا وذاك توفيق من الله تعالى.
@ والتسامح امر عظيم.. وهو منزلة كبرى.. وعبادة عظمى.. يوضح ذلك.. ان الله تعالى يقول في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له.. ثم قال: الا الصوم فانه لي وانا اجزي به) وهذا دليل عظم الصوم فجعل الله اجره اليه.. لا يقدر قدره الا هو.. ولك ان تتصور عظم مكافأة قال خالق الخلق عنها: انا اجزي به؟!، اقول: الله الذي قال هذا سبحانه الذي قال في الصفح والتسامح.. العفو والرضى (فمن عفا واصلح فأجره على الله) فمن ذا يتصور عظم اجر تكفل الله.. خالق الخلق.. بانه عليه سبحانه!!
@ جاء في الاثر.. ان يوم القيامة.. وعند المحشر.. ينادي المنادي.. اين الذين اجرهم على الله فليقوموا.. فيقوم الكاظمون الغيظ.. العافون عن الناس.. الله اكبر.. فما اعظم هذا الخلق.. وما اكرمه على الله.
@ لذا.. تخلق المصطفى صلى الله عليه وسلم به. فكان سمة له.. عفو مسامح.. حتى وصف بانه لا ينتقم لنفسه ابدا، اما اذا انتهكت محارم الله.. فلا يرضى ابدا صلى الله عليه وسلم، رسول الله يأتيه الاعرابي الغليظ.. فيقول له: هذه قسمة ما اريد بها وجه الله. ومرة يقول: اعدل يا محمد.. وثالثة ورابعة حتى يثور بعض الاصحاب.. فيطلب الاذن من النبي بقتله.. فيرده النبي.. ويعفو عنه يصفحه..
واعرابي آخر.. ينهر المصطفى وهو يقول له: اعطني يا محمد من مال الله.. لا من مالك ولا مال ابيك.. فيعطيه وهو يبتسم صلوات الله عليه وسلامه عليه.. وآخر.. يمسك بجمع ثياب المصطفى.. حتى يؤثر الشد على رقبته.. فيعفو ويصفح.. ويرضى ويسامح، بل لا ادل على هذا الخلق العظيم.. مثل موقفه.. مع الاسرى.. الذين قاتلوه فقتلوا اصحابه.. وحاربوه وشردوه وذويه.. فلما مكن الله منهم.. قال لهم: ما تظنوني فاعل بكم.. قالوا: وهم كفار ولكنهم يعلمون عظم خلق المصطفى وعفوه وتسامحه.. فقالوا له، اخ كريم.. وابن اخ كريم فقال لهم: اذهبوا فانتم الطلقاء.
@ على مثل هذه الاخلاق الفاضلة العظيمة.. ربى المصطفى اصحابه.. على منهج القرآن.. الذي يدعو الى الرضا.. والعفو والصفح.. عمن جار وظلم.. فهذا افضل الامة.. وسيد رجالها بعد رسول الله.. ابو بكر الصديق رضي الله عنه وارضاه.. لما شاعت حادثة الافك.. وقد تولى كبرها رأس المنافقين.. التبس الامر على بعض المسلمين فلغت الستهم فيها، ومن جملتهم رجل فقير.. كان يستفيد من مال ابي بكر.. ويأكل من صحفته وينال من عطاياه.. وهو قريب له ومع هذا تكلم بما يتكلم به القوم.. ولك ان تتصور.. رجل يطعم من انائي.. ثم يطعن في عرضي.. باتهام بنيتي.. وبأبشع جريمة واقبح عمل، فتحركت ابوه ابي بكر انتقاما للصديقة.. زوجة المصطفى صلوات الله وسلامة عليه، فحلف الا يعطي مسطحا لانه قال في ابنته ما قال، فانزل الله سبحانه قرآنا يتلى في سورة النور: (ولا يأتل اولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى..) الى أن قال سبحانه: وليعفوا وليصفحوا.. ألا تحبون ان يغفر لكم الله لكم.. والله غفور رحيم). فلما سمع ابو بكر الآية.. قال: بلى والله.. أحب ان يعفو الله ويغفر لي.. فاعاد ما كان يعطى الرجل.. وسمح له وصفح عنه طمعا في مغفرة الله تعالى.
@ نعم على مثل هذا الخلق العظيم.. ربى النبي اصحابه.. فكانوا لا ينتقمون لانفسهم ابدا.. وكانوا يسامحون من ظلمهم.. ويعفون عمن جار عليهم طلبا لما عند الله.
@ علي بن ابي طالب رضي الله عنه.. كان يقاتل ذلك الفارس الجاهلي.. فلما اشتدت المبارزة اسقط علي سيف الكافر.. فوضع السيف على رقبته ليقتله.. فبصق الكافر على علي رضي الله عنه فرفع السيف.. ثم تركه وذهب فتعجب الحاضرون فسألوا عليا لم تركته.. وقد مكنك الله منه؟ فقال: كنت اقاتله في سبيل الله.. واريد قتله لاجل الله.. فلما بصق علي خشيت ان يكون قتلي له.. انتقاما لنفسي.. فتركته لله تعالى.. الله اكبر.. فاين هذا الخلق.. من مجتمعاتنا ولو عند اشارة المرور؟! بل اين هذا الخلق العظيم عند الدخول والخروج حتى من المساجد وقت الزحام.. بل اين هو.. بين الاصحاب والاصدقاء؟ فضلا ان نراه بين صالح وطالح، او مستقيم وفاسق، او بين مسلم وكافر؟!
@ ومن صور التسامح في هذه الامة.. التي تميز منهج دينها بالكمال والسمو في الاخلاق والافعال ما حدث مع الامام زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم وعن جميع الصحابة.. لما جاءت جاريته بابريق الماء للوضوء فتعثرت فسقط الابريق على السيد فاذاه.. خافت الجارية فقالت سيدي. (والكاظمين الغيظ) فقال السيد: كظمت، قالت سيدي: (والعافين عن الناس) قال: عفوت عنك، فقالت سيدي: (والله يحب المحسنين) فقال لها: اذهبي فانت حرة لوجه الله. الله اكبر.. اي اخلاق تخلقوا بها.. واي نفوس بين جنوبهم حملوها؟!! انها نفوس عظمت الله فلن تقبل الثواب الا من الله.
@ وهذا احمد بن حنبل. لما ابتلي في المحنة وظلم.. فكان يفرش في السوق.. ويجلد بالسياط ظلما وجورا وعدوانا.. وفي ذات يوم خلع ثيابه.. فاذا باثار السياط على ظهره وبطنه رحمه الله تعالى.. فتوجع قلب تلميذه فقال: حسبي الله فغضب الامام احمد على التلميذ.. ثم قال له.. اترضى ان يعذب الله مسلما لاجلك؟ اعف واصفح.. فمن عفا واصلح فاجره على الله.. "بتصرف بسيط".
@ ان السيرة المحمدية.. وسيرة السلف الصالح.. الذين تربوا على منهج القرآن.. وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.. مملوءة بهذا الخير العظيم.. وبهذا الخلق الكريم
@ فهل يا ترى.. نجد هذا التسامح.. واقعا في واقعنا؟! او موجودا في مجتمعنا؟.. هل سنرى التسامح ونلمسه.. بين الاب وولده.. فربما يخطئ الولد ويقصر فهل سيسامحه ابوه.. حتى لا يعذبه الله في النار لاجله..
والام رعاها الله. اذا قصر ولدها.. واخطأت بنيتها.. فاستسمحا منها.. ورجعا اليها.. فهل ستقول: عفوت عنكما؟ لانها تعلم ان رضا الله من رضا الوالدين.. وسخطه من سخطهما؟!
وهذه الحياة الزوجية.. هل ستبني على الحساب.. والعتاب.. واحصاء الاخطاء,.. ويكون منهج كل واحد منهما مثل الذباب.. يراعي موطن العلل؟ فلو ذكراحدهما خطأ ذكره الآخر بأخطائه وأخطاء ؟!
واي سعادة في مثل هذه الحياة.. واين الا نس والاستقرار والسكن.. بين اثنين هم اجدهما.. بل كليهما. ان اعد زلاتك.. ولا اغفر خطيئاتك.. بل ستجد العادة بين زوجين.. تربيا على منهج المصطفى يعفو ويصفح.. ان ساءه من صاحبه خلق.. اعجبه خلق وخلق.. وما ان تبرز لعينيه سيئة من صاحب الا واظهر له حسنات وحسنات، بينهما شعره معاوية.. فان شد احدهما غاضبا.. ارخى الآخر راضيا متحببا، فلله در التسامح.. كم له من اثر في جمع الشمل ولم الشتات، وخطوة في المسامحة والتسامح خير من قاض وحكمين وشهود.. وأعظم حالات الطلاق ما كانت لتقع لو كان التسامح موجودا.. الا ما شاء ربك.
والجار مع جاره.. وهو من اقرب الناس اليك.. وترى جارك.. اكثر من رؤيتك لاخيك.. وعمك وخالك.. بل ربما اكثر من امك وابيك.. وللجار منزلة كبيرة هو مطلع على بعض اسرارك.. وهو اقرب النمقذين لك حال نفعك واضرارك.. فما اجمل الجوار لو كان مبنيا على الرضا والعفو والتسامح، وكم هو ثقيل، ذلك الجار.. الذي يعاتبني على ولدي.. ويعاتبني على سيارتي.. ويعاتبني على كثرة ضيوفي.. ولو غض الطرف وسمح وتسامح لكان افضل.. وعلي ان احرص على عدم ايذائه.. وازعاجه فلا يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه وشروره، فما زال جبريل يوصي بالجار حتى ظن المصطفى انه سيورثه فاحيوا التسامح بينكما ايها المتجاوران..
@ واذا كان التسامح جميلا وحسنا ومطلوبا فهو كذلك ولاشك بين الزملاء في العمل وبين الرئيس وموظفيه وبين الموظفين ورئيسهم.. باسلوب لا يفقد للعمل مكانته او رسالته.. يجعل التسامح عنوانا للمتسامح فيعتب مرة.. ويلومه مره.. ويعاقب مره ويسامح مرات ومرات فان هذا في نظري اكثر قبولا.. وتحفيزا للانتاج.
@ والتسامح بين الصاحب وصاحبه.. والصديق وصديقه.. وبين الاخ واخيه.. وبين الكفيل ومكفوليه.. وبين البائع والمشتري.. وبين المتخاصمين.
وان تكون السماحة والتسامح في حياتنا المعيشية.. في الشوارع والمحلات التجارية واماكن ازدحام الناس ومقابلة الجمهور.. فنكون مجتمعا كما متسامحا.. حتى نحظى برحمة الله التي بينهما المصطفى.. ودعابها حيث قال: رحم الله امرءا سمحا اذا باع سمحا اذا اشترى سمحا اذا قضى سمحا اذا اقتضى، فلو كنا ذلك المجتمع لاستراح القضاة.. ولاغلقت كثير من المحاكم ودور الشرط فصارت بلادنا.. جنة الدنيا.. ونعيما معجلا..