عفاريت وجن وشياطين

عفاريت وجن وشياطين

 

عفاريت وجن وشياطين

لا يكاد يومنا يمر دون أن نسمع ألفاظ ومسميات الجن والعفاريت والشياطين، تلك المسميات التي نسمعها فترتعد فرائصنا، وتدب في أجسادنا القشعريرة بمجرد سماعها، مكملين بذلك فصولا عشناها في طفولتنا عن «الجن الأزرق» وعن «الغول» وعن «المارد» وعن «عشائر الجن في الأودية» وقبائل الشياطين في الظلام» ونسمع من يَصِمُ المحتالين واللصوص بأنهم شياطين، ونتعجب من قصص الرقاة عن خروج «جني» من جسد طفل ومغادرة «عفريت» من إصبع مريض وتحدث «مارد» بلغة إنجليزية في جسد امرأة وسكن «جنيين يهوديين في جسد فتاة» فأصبح الحديث عن هذا العالم جزءا من فصول حياتنا.. ولا نبتعد كثيرا فلا يزال في لغتنا الشعبية الدعاء المقرون برمي المدعى عليه في عالم الجن وغياهب العفاريت وغابات الشياطين».

في زمن مضى عندما كان الظلام يخيم على طرقاتنا ومنازلنا ونيران مواقد الخبز تشتعل خلف البيوت المهجورة وقرب حظائر الأغنام وزوار الليل المظلم يأتون بالفوانيس بين الأزقة المليئة بنفر الجن… والأودية المسكونة بقبائل الشياطين المتخفية لنيل صيد عابر للتربص به، والسوالف تتطاير بقصص الجن والعفاريت والضحكات تتعالى مقرونة بتحدي هذا العالم في وقت لم تكن فيه مساجد كثيرة فكل القرى يجمعها مسجد القرية الصغير القديم والمسمى «المسيد»، الذي تحاك بجانبة تلك القصص المهولة من العالم الخفي بعد الصلاة وقبل التوجه إلى المنازل عبر الطرق المخيفة.. لم يكن هنالك مرضى مثل اليوم ولم نرَ أعداد الرقاة المتراصين في الأحياء اليوم للظفر بالأموال في العيادات الوهمية لمكافحة الجن والشياطين والعفاريت وفرد عضلاتهم على المرضى ونصب شراكهم لاصطياد مئات الريالات.. كانت الحياة هادئة مطمئنة رغم أننا نعيش وسط هذه القبائل الشهيرة بالاختطاف وسكن الأجساد دون استئذان ومعاداة وتخويف وترهيب بني البشر.

كان الأطفال ينتقلون في الظلام بأكياس اللحوم والأرز لإيصالها إلى الجيران والجارات في تلك القرى المظلمة ليلا متأبطين السكينة ومتسلحين بالبسملة، وخطوات مشي سريعة خوفا من تبلور القصص التي يسمعونها كحقيقية مفزعة، ويعودون في خط الرجعة بخطوات أسرع دون أن يمسهم أي ضرر.

الآن الجن يسكنون المدن، والعفاريت يتخذون من الشوارع ميادين لاصطياد الغافلين، والشياطين يبحثون عن العابثين في عقر دورهم وقبائل الجن تقيم الاحتفالات وسط احتفالات البشر جنبا إلى جنب بحثا عن عين لم تذكر الله أو حاسد أطلق الشرر ليلتقطها «عفريت عاطل «ليسكن جسدا بريئا» ناهيك عما رسمته وسطرته وبلورته «العاملات المنزليات» القادمات من شرق آسيا في منازل السعوديين من تطبيق ميداني وعملي لإرث ومناهج السحر والشعوذة في بلادهم.. فأصبحنا صفحات تقلب في كتب هذا العالم.. فبات عالم الجن والشياطين والعفاريت جزءا من منظومتنا الحياتية بواقع عملي وليس قصصا فكاهية جعلتنا جبابرة وأقوياء في مواجهتهم ونحن صغار في زمان مضى، رغم أن تلك البيئات قديما «تزخر بهذه الجماعات وبطولاتهم» التي كانت تفشل وتنهزم أمام أذكار نتسلح بها بتلقائية وفطرة وسكينة وطمانينة ويقين إيماني وذاتي جعلنا نجعلهم على الهامش المهمش.

الآن ورغم الوعي الديني والثقافة العالية والقصص الواقعية لغارقين في هذا العالم؛ إلا أننا نواجه حربا مع هذا العالم، فقد تغيرت نفوس بعض البشر وباتت سماتهم قريبة من العالم الخفي وباتت حفلات الزواجات والأعراس «أعراسا للجن» وتحولت الحفلات والمناسبات إلى «ولائم للعفاريت» وتبلورت مجالسنا وجلساتنا إلى «أفراح للشياطين» لأنها من سيناريو «الفضول والحسد» ومن إنتاج «الغيبة والنميمة» ومن إخراج «اللعن والشتم» فبات العالم الخفي رغم وجود القنوات الدينية وكثرة المشايخ واسترزاق الرقاة يعيش بين ظهرانينا ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الواجب أن نتعايش مع هذا العالم الخفي وأن نطبق تجربة أهالي القرى قديما في دحر الجن والشياطين بتلقائية وقوة وطاقة أعظم من طاقاتهم وأن نطرد الرقاة المغتنين على أكتاف المرضى من أحيائنا وأن ننظف منازلنا من العمالة المكلفة بالأسحار والشعوذة كي نحارب هذا الواقع المؤلم بكل إيحاءاته وإيماءاته وسكناته وضوضائه.. وقبلها علينا التسلح بالإيمان والتوكل على الله ثم تصفية النفوس والأرواح والأجساد من «الغل والقال وكثرة السؤال والقيل والتضليل وملاحقة الآخرين والغيبة والنميمة والهرج والمرج والكذب والسب» كي تكون مجالسنا «مجالس خير» لا «مجمعات شياطين إنس ينتظرون استضافة الجن والعفاريت».

 

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5