الإعلام من منظور إسلامي
- العادات والتقاليد الثقافه والتراث
- 28/1/2016
- 1642
القضية الإعلامية تقع من الخطورة بمكان في حياة الدول والمجتمعات، ذلك لأن الإعلام يعمل على بلورة الفكر وصياغة الرؤى، مما جعل البعض يصفه بالسحر، لخفة وخفاء طريقته، وقدرته على التغيير والتشكيل كما الساحر تماما.
وقد دندنت الشريعة حول هذا المعنى في أكثر من موقف، فعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقدم عليه وفد بني تميم عليهم قيس بن عاصم وعمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن الأهتم: [ما تقول في الزبرقان بن بدر؟] قال: يا رسول الله مطاع في أنديته، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره. قال الزبرقان: يا رسول الله إنه ليعلم أكثر مما وصفني به، ولكنه حسدني. فقال عمرو: والله يا رسول الله إنه لزمن المروءة، ضول العطن، لئيم الخال، أحمق الوالد. والله يا رسول الله ما كذبت أولا، ولقد صدقت آخرا، ولكني رضيت فقلت أحسن ما علمت، وغضبت فقلت أقبح ما علمت. فقال -رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكما) [المعجم الأوسط للطبراني]. وفي رواية: قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن من البيان لسحرا) أو: (إن بعض البيان لسحر) [أخرجه مالك والبخاريّ].
قال ابن عبد البرّ رحمه الله: "واختلف في المعنى المقصود إليه بهذا الخبر، فقيل: قصد به إلى ذمّ البلاغة؛ إذ شبّهت بالسّحر، والسّحر محرّم مذموم، وذلك لما فيها من تصوير الباطل في صورة الحق، والتفيهق، والتشدّق، وقد جاء في الثرثارين المتفيهقين ما جاء من الذم.. وأبى جمهور أهل الأدب والعلم بلسان العرب إلا أن يجعلوا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن من البيان لسحراً) مدحاً وثناءً، وتفضيلاً للبيان وإطراءً، وهو الذي تدلّ عليه سياقة الخبر ولفظه". [التمهيد: 5/ 171].
وقال ابن التين: "والبيان نوعان، الأول: ما يبين به المراد، والثاني: تحسين اللفظ حتى يستميل قلوب السامعين. والثاني هو الذي يشبّه بالسحر، والمذموم منه ما يقصد به الباطل، وشبّهه بالسّحر لأن السحر صرف الشيء عن حقيقته" [فتح الباري لابن حجر: 14/ 409].
ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: [إنكم تختصمون إليّ، فلعل بعضَكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه][متفق عليه].
قال الصنعانيّ في معنى (ألحن بحجته): "والمراد أن بعض الخصماء يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره" [سبل السلام: 6/ 407].
ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: [إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها][أحمد وأبو داود].
قال المناوي: أي المظهر للتفصح تيهاً على الغير وتفاصحاً واستعلاء ووسيلة إلى الاقتدار على تصغير عظيم أو تعظيم حقير أو بقصد تعجيز غيره أو تزيين الباطل في صورة الحق أو عكسه أو إجلال الحكام له ووجاهته وقبول شفاعته، فلا ينافي كون الجمال في اللسان ولا أن المروءة في البيان ولا أنه زينة من زينة الدنيا وبهاء من بهائها (الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها) يضرب بها المثل لأنهم كانوا في مغزاهم كالبقرة التي لا تستطيع أن تميز في رعيها بين الرطب والشوك والحلو والمر بل تلف الكل بلسانها لفاً.
وأبان ابن قتيبة مجمل القضية بقوله: "ولا ينكر مع هذا أن يكون الجمال في اللسان، ولا أن تكون المروءة في البيان، ولا أنّه زينة من زين الدنيا وبهاء من بهائها، ما صحبه الاقتصاد، وساسه العقل، ولم يَمِل به الاقتدار على القول إلى أن يصغّر عظيما عند الله تعالى، أو يعظّم صغيراً، أو ينصر الشيء وضدّه، كما يفعل من لا دين له". [تأويل مختلف الحديث: ص: 299]
الاحتلال الإعلامي
يقول الأستاذ عمر عبيد حسنة في كتابه «مراجعات في الفكر والدعوة والحركة»: "لا تخرج العمليَّة الإعلاميَّة في عمومها عن غيرها من عمليات التحكُّم المتعدِّدة، والتي تُمَارس من عالم الأقوياء على عالم الضُّعفاء؛ وذلك للحيلولة دون ردم فجوة التخلُّف، وإلغاء التبعية الفكرية والإعلامية والثقافية والسياسية والاقتصادية، فالقدرات والقابليات الإعلامية المبدعة، التي قد تشكِّل الأمل للخروج من دائرة التحكُّم لا تجد لها مكانًا ولا مناخًا في العالم الإسلامي؛ لذلك ترى استمرار استنزاف الطاقات وامتصاص تلك القدرات المبدعة، الأمر الذي يجعل العالم الإسلامي على وجه الخصوص، والعالم الثالث بشكل عام صدًى لأفكار الغرب ومنتجاته الإعلاميَّة، والتي تمهِّد لتسويق أفكاره وأشيائه معًا؛ ليستمر الفقر الإعلامي والفقر الفكري، إلى جانب مظاهر الفقر الأخرى، ونتيجة لضعف العملية الإعلاميَّة لدى المسلمين، فقد نتج ضعف في الخطاب والحوار الإسلامي؛ وذلك لعدم وجود انطلاقة لدى المسلمين ينطلقون منها لبَثِّ روح التجديد والتطوير في كل مجالات الحياة".
الإسناد من الدين
أمام هذا الزخم الإعلامي لابد لنا من موقف فاحص نراعي فيه شروط العدالة فيمن نتلقى منه كافة الوجبات الإعلامية، خاصة وأن التثبت من الأخبار والأقوال منهج إسلامي فريد لم يوجد في أمة أخرى، والسّند في المرويات خصيصة فاضلة من خصائص الأمة المحمدية، وسنّة بالغة من السّنن المؤكّدة. فعن محمد بن يحيى بن سعيد قال سألت شعبة وسفيان وابن عيينة ومالكا عن الرجل يكون فيه تهمة أو ضعف أسكت أو أبين؟ قالوا جميعا: بين أمره. [رواه مسلم بنحوه في مقدمة صحيحه باب بيان أن الإسناد من الدين ورواه أحمد في العلل].
وعن ابن سيرين قال: "لم نكن نسأل عن الإسناد في الحديث حتى وقعت الفتنة، فلما وقعت الفتنة سئل عن الإسناد في الحديث لينظر أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر أهل البدعة فيرد حديثهم".
وقال عبد الله بن المبارك: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء".
وقال سفيان الثوري: "الإسناد سلاح المؤمن إذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل".
ولا يبعد الشافعي على هذا عند وصفه بأن الاخذ للسنة من دون إسناد كالمحتطب في الليل، يحتطب ليلا والأفعى في حطبه.
يقول الأستاذ طارق حميدة: "والذي يقتضيه الشرع والعقل أن تعامل هذه القنوات التي هذه صفاتها بما يليق بها، إن لم تكن معاملة المتّهم بالكذب فلا أقلّ من معاملة المجهول الذي يجب التوقف في خبره، والتأمل في ما احتف به من قرائن في سنده ومتنه، أو بمنزلة أخبار بني إسرائيل التي لا تصدَّق ولا تكذّب، ثم إذا سلمت هذه الأخبار من العلل القادحة، وقرائن الضعف والكذب، فأقصى درجاتها أن تفيد الظنّ دون اليقين، وليست هذه دعوة إلى تطبيق قواعد المحدثين الدقيقة على هذه الأخبار، إذ يلزم من هذا ردّ جميع الأخبار، ولكن المقصود عدم التغافل عن القوادح الظاهرة في أقلّ الأحوال".
الإعلام الإسلامي
يقول الأستاذ عبد القادر طاش -رحمه الله-: "البشرية اليوم قد سئمت من الدين المحرّف، وانصرفت عن المذهب الفاسد، وهي تعيش ضياعًا وقلقًا واضطرابًا. وقد أثقل كاهلَ الإنسانية في وقتها الراهن كابوسُ الإلحاد والعلمانية، والفساد الخلقي، والظلم والاستبداد السياسي، والاستغلال الاقتصادي، والتفكك الاجتماعي، وتعالتِ الصيحات تبحث عن مصدر للأمان والعدالة والحياة الكريمة، فأين سيجدون كل ذلك إلاّ في الإسلام؟!!
إنَّ البشريّة اليوم بحاجة إلى الإسلام أكثر من أيّ وقت مضى، والمسلمون مطالَبون – وفقًا للتوجيه الإسلامي بمخاطبة الناس بلغتهم ووسائلهم – بأن يستخدموا وسائل الاتصال والإعلام في سبيل الدعوة إلى الإسلام، وتوضيحِ صورته الناصعة، وإبراز محاسنه وثمراته للناس في كل مكان.
إنَّ تبليغ رسالة الإسلام العالمية، وإيصال دعوته إلى البشرية كلها مبرّرٌ إنساني عظيم للدعوة إلى صياغة الإعلام صياغةً إسلاميةً حتى يمكن أن يؤدي هذا الإعلام دوره في الحياة الإنسانية".