"النجاح الفاشل"
- القصص والروايات
- 4/4/2015
- 1687
- منقول بقلم : ياسر الحزيمي
"النجاح الفاشل"
.. اتصل بي أحد الأثرياء وطلب مني لقاءً خاصاً للاستشارة في أمر يخصه ،
رحبت به واتفقنا على موعد يناسب الطرفان ،
ظننت أننا سنلتقي في إحدى شركاته أو في مكتب الإدارة العامة، أو في بيته، ولكنه طلب مني أنْ نلتقي في كوفي شوب صغير في حي متواضع!
حضرت إلى هناك والتقينا وتجاذبنا الحديث ثم قال لي:
لعلك تستغرب وجودنا في هذا المكان!
قلت :
نعم نوعاً ما، فهناك ما هو أفضل وأقرب فقال لي أردت أن أريك قاعة الأفراح تلك ( وأشار بيده )، فقد حضرت فيها أنا وزوجتي زواجاً لأحد الأقارب قبل قرابة اثنتي عشرة سنة ،
ولازلت أتذكر ذلك الزواج لأنني أوقفت سيارتي بعيداً عن القاعة حتى لا يراني أحد
فقد كانت سيارتي داتسون قديمة مهترئة وكانت حالتي المادية لا تسر صديقاً!
ثم سكت وعم الصمت الجلسة
ثم قال: قبل اثنتي عشر سنة كنت لا أملك سوى ذلك الداتسون، والآن وقبل نصف ساعة ربحت صفقة بأحد عشر مليون ريال والحمد لله.. الكل يغبطني على نجاحاتي..
ولكن يا ياسر كنت قبل اثنتي عشرة سنة أحدّث نفسي بالجهاد في سبيل الله
والآن أنا .. لا أدفع زكاة أموالي!
فأي نجاح أغبط عليه!
كنت رجلا مستقيما أصلي في وقتها، وأساعد المحتاج وأرجو رحمة ربي، أما الآن فقد أشغلتني الأرزاق عن الرزاق جل جلاله!
فأي نجاح أُغبط عليه!!
كانت علاقاتي صادقة ومستمرة لا تذبل ولا تجف لأنها تُسقى بماء الحب والمودة، أما الآن فهي تذبل عندما لا أبذل لأنها سقيت بماء المصالح والحاجات، و أصبح المشروع لا الشعور هو ما يربطني بمن حولي! فأي نجاح أغبط عليه!!
ثم سكت ونظر إلي وقال:
أعد إليّ حياتي وخذ نصف ما أملك، وأعد عليّ إيماني وخذ مني كل شيء!!
.. هذا ما حدث في تلك الليلة !!
ولست والله ممن ينسج القصص ليستميل بها القلوب، ولكنها الدنيا تصيح بملء فيها لمن فيها:
« مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا»
إنّ التلهف على المال والرفاهية والبحث عن الصيت والشهرة والسعي وراء المكانة والشرف جعل البعض منا يضحّي بالكثير من أجل القليل، ويقدم الفاني على الباقي، وربما خسر الصحة لأجل المال ونسف العلاقات لأجل المنصب وهدم مبادئه لأجل أهدافه!
سقف الطموح لا حد له …
وسراب النجاح لا انتهاء إليه …
فعلينا أن نختار ما يكفينا منه وأن نتوازن في طلبه.. وأن نعطي بقية حياتنا حقها..
.. فللأهل وقت
.. وللصحة نصيب
.. وللدين أولوية
.. وللنفس خلوة
التعليقات على المقالة 1
ابو ساعد21/4/2015