القواسم المشتركة بين مدننا
- مفالات صحفيه (منقوله)
- 11/5/2011
- 1875
المناظر المتكررة تتمثل في حفريات في الشوارع وليتها حفرية واحدة، لكن عدة حفريات، وتتكرر في الأسبوع، وبلا مبالغة، ترى الشارع في أول الأسبوع جميلا نظيفا ثم ما يلبث في نهاية الأسبوع حتى يتحول إلى حالة أخرى يرثى لها ويتأزم معها كل من يسلك ذلك الشارع سواء كان راجلا أو على سيارته.
المياه المتسربة من البيوت منظر آخر لا يمكن أن تخطئه العين، أو تسلم منه الملابس، ولا مفر من تغييرها في الحال حتى إن كانت جديدة، وقد خرجت من الخياط للتو، وما ينطبق على الحفر والمياه يلاحظ على الكهرباء، حيث في عز النهار يشاهد المرء المصابيح في الشوارع مضاءة، وكم تعجبت وتساءلت كيف ننادي ونطالب بترشيد المياه والكهرباء ونحن نعبث بها بهذا الشكل؟! إذا كانت المياه المتسربة بفعل الناس، وهذا سلوك خاطئ وغير مقبول، فكيف يكون ترك إنارة الشوارع مضاءة في عز النهار، وهي تحت تصرف الجهات الرسمية، ونحن أحوج ما نكون إلى الطاقة؟! سؤال ليس لدي إجابة عنه لأني لا أملكها، وعلى الجهات المسؤولة إعطاء الإجابة المقنعة لي ولغيري من الناس الذين يشاهدون هذه الأشياء، ويتعجبون من حدوثها، ولسنوات، وليس عن طريق المصادفة.
صهاريج الصرف الصحي التي تجوب الشوارع وتؤذي الناس بروائحها الكريهة، وبما يتسرب منها في الشوارع مشهد آخر تتميز به مدننا، ولكم تساءلت عن سر تخلفنا في هذا المجال وتراخينا في إكمال مشاريع الصرف الصحي، إذ قرأت خبرا في جريدة ''الجزيرة'' وفي صفحة من صفحات أعدادها القديمة، حيث يشير الخبر إلى أنه تم توقيع عقد تنفيذ مشروع الصرف الصحي في كل من بريدة والقطيف في عام 1394هـ، أي قبل 38 عاما، فلو أن مشروع الصرف الصحي استمر منذ ذلك الوقت يتوسع بتوسع المدن لما وجدت هذه المعضلة في مدننا، والتي نلمسها منذ فترة طويلة وكشفت آثارها السيئة ما أحدثته سيول جدة من هلع وارتباك وأضرار جسيمة.
ما إن تسقط الأمطار حتى ولو كانت قليلة، وتتجمع في المنخفضات من الشوارع، تبدأ تتشكل المستنقعات، وتتحول بعض الشوارع إلى بحيرات، ثم تبدأ عملية شفط المياه المتجمعة بالمواطير وتحمل في الصهاريج إلى أماكن أخرى للتخلص منها، والسؤال المنطقي هو: لماذا تهمل المدن من قبل الأمانات والبلديات والجهات ذات العلاقة دون تهيئة للبنية التحتية من البداية وتبدأ مع بداية التخطيط للمدينة، أو الحي الذي يستحدث في أي مدينة كانت؟ ثم لماذا لا تنفذ سفلتة الشوارع بالشكل الصحيح الذي يضمن عدم تجمع المياه بالشكل الذي نراه في الوقت الراهن مع ما يحدثه هذا الأمر من عناء وخسارة ليس للأفراد، لكن للجهات الحكومية مع إمكانية فعل ذلك لو وجدت مراقبة دقيقة وإخلاص ومحاسبة؟ الفوضى المرورية كما تتمثل في سيارات تقف على الأرصفة، أو في منعطفات الشوارع، حيث تعوق الحركة، أو سيارة ليموزين تقف فجأة وفي أي مكان وكيفما اتفق، أو سيارتين تقفان في وسط الشارع يتحدث صاحباهما، كل هذه وغيرها نماذج يفترض أن تزال بفرض القانون على الجميع.
هذه القواسم المشتركة التي تشترك فيها مدننا في حاجة إلى سؤال قد يكشف لنا أين الخلل في تركيبتنا الاجتماعية والإدارية والثقافية، هل هذا الخلل إداري أم ثقافي؟ إذا كان إداريا أو فنيا فمن حقنا أن نسأل أين دور الطواقم الإدارية والفنية التي تخرجت في الجامعات المحلية والعالمية، والتي أوكل إليها مهمة إدارة هذه المشاريع؟ وهل عجزت هذه الطواقم بخبراتها عن تفادي مثل هذه المشكلات؟ وإذا ما أردنا أن نفهم المشكلة على حقيقتها فلا بد أن ندرك أن ما نتحدث عنه ليست ملاحظة منعزلة في مدينة من المدن، لكنه أمر يشكل ظاهرة تمتد على امتداد الوطن، ولا يوجد استثناء لأي مدينة من مدننا، حيث إنها صورة كربونية من بعضها في هذا الشيء، كما أن الجانب الثقافي قد يعني الثقافة العامة أو الثقافة الخاصة المتمثلة في ثقافة إدارية قد تظهر في مجتمع أو في مؤسسة وإدارة حكومية.
ومع قرب انتخابات المجالس البلدية التي ستعقد بعد رمضان يتساءل المواطن: هل ستكون المجالس القادمة كالمجالس السابقة دون فعل، أو إجراء يسهم في تلافي السلبيات، أم أنها ستأخذ منحىً آخر يلمس المواطن أثره في الخدمات وفي نظافة الأحياء وسلامة الشوارع، ودقة التنفيذ للمشاريع البلدية، وتلك التي تقع تحت مسؤوليتها كما نص عليها النظام؟
أخشى ما أخشاه أن تكون الثقافة الإدارية مدعومة بثقافة اجتماعية أهم ملامحها اللامبالاة وعدم الاكتراث، وغياب المحاسبة، هي السبب في وجود هذه المشكلات المزمنة في مدننا، إضافة إلى وجود منتفعين من وجود مثل هذه الظواهر السيئة حتى تستمر أعمالهم وشركاتهم ومؤسساتهم في أداء عملها بالشكل الذي يحقق لهم أكبر المكاسب حتى ولو كان هذا على حساب الوطن وراحة المواطن. حدثني أحد ذوي الخبرة في مجال المشاريع أن تكلفة المشروع من مشاريع البنية التحتية لو نفذ في البداية تكون 10 في المائة فقط في حين تتضاعف التكلفة عشر مرات لو نفذ فيما بعد، وهذا ما لمسته فعلا حيث الحي الذي أقطنه حفرت الشوارع، وكشط الأسفلت ما لا يقل عن 20 مرة بين ماء وكهرباء وصرف صحي وهواتف، حتى تغيرت ملامح الشوارع بعد أن كانت نظيفة ومتساوية، أصبحت الحفر والمطبات، والأتربة هي السمات البارزة لها، إضافة إلى التكلفة المادية الباهظة التي تنفق من المال العام.