ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ
- مما أعجبتني ( نبطي عرضه قلطه)
- 27/3/2014
- 2143
الشاعر صالح بن عبدالقدوس
من شعراء الدولة العباسية امتاز شعره بالحكمة والزهد في الدنيا ومحاسبة النفس وكان دائماً ما يعظ الناس في شعره، إحدى القصائد الخالدة يقول فيها :
**
فـــدَّعِ الـصِّـبـا فـلـقـدْ عـــداكَ زمـانُـهُ
وازهَـــدْ فـعُـمرُكَ مــرَّ مـنـهُ الأطـيَـبُ
ذهــبَ الـشـبابُ فـمـا لـه مـنْ عـودةٍ
وأتَــى الـمشيبُ فـأينَ مـنهُ الـمَهربُ
دَعْ عـنكَ مـاقد كـانَ فـي زمـنِ الـصِّبا
واذكُـــر ذنــوبَـكَ وابِـكـهـا يـــا مُـذنـبُ
واذكـــرْ مـنـاقـشةَ الـحـسـابِ فــإنـه
لابَـــدَّ يُـحـصـى مــا جـنـيتَ ويَـكـتُبُ
لــم يـنـسَهُ الـمـلَكانِ حـيـنَ نـسـيتَهُ
بـــــل أثــبــتـاهُ وأنـــــتَ لاهٍ تــلـعـبُ
والــــرُّوحُ فــيــكَ وديــعــةٌ أودعــتَـهـا
سـتَـردُّهـا بـالـرغـمِ مــنـكَ وتُـسـلَبُ
وغـــرورُ دنـيـاكَ الـتـي تـسـعى لـهـا
دارٌ حـقـيـقـتُـهـا مـــتـــاعٌ يـــذهـــبُ
والــلـيـلُ فـاعـلـمْ والـنـهـارُ كـلاهـمـا
أنـفـاسُـنـا فــيـهـا تُــعــدُّ وتُــحـسـبُ
وجــمــيـعُ مــــا خـلَّـفـتَـهُ وجـمـعـتَـهُ
حــقــاً يَـقـيـناً بــعـدَ مــوتِـكَ يُـنـهـبُ
تَـــبَّـــاً لـــــدارٍ لا يـــــدومُ نـعـيـمُـهـا
ومَـشـيـدُهـا عــمّــا قــلـيـلٍ يَــخـربُ
فـاسـمـعْ هُــديـتَ نـصـيـحةً أولاكَـهـا
بَــــــرٌّ نَـــصـــوحٌ لـــلأنــامِ مُـــجــرِّبُ
صَــحِـبَ الــزَّمـانَ وأهـلَـه مُـسـتبصراً
ورأى الأمـــورَ بــمـا تـــؤوبُ وتَـعـقُـبُ
لا تــأمَــنِ الــدَّهــرَ الــخَــؤُونَ فــإنــهُ
مـــــا زالَ قِــدْمــاً لــلـرِّجـالِ يُــــؤدِّبُ
وعــواقِــبُ الأيــــامِ فــــي غَـصَّـاتِـهـا
مَــضَـضٌ يُـــذَلُّ لـــهُ الأعـــزُّ الأنْـجَـبْ
فـعـلـيـكَ تــقـوى اللهِ فـالـزمْـها تــفـزْ
إنّّ الــتَّـقـيَّ هـــوَ الـبَـهـيُّ الأهــيَـبُ
واعــمـلْ بـطـاعتِهِ تـنـلْ مـنـهُ الـرِّضـا
إن الــمـطـيـعَ لــــهُ لــديــهِ مُــقــرَّبُ
واقـنـعْ فـفـي بـعـضِ الـقـناعةِ راحــةٌ
والــيـأسُ مـمّـا فــاتَ فـهـوَ الـمَـطْلبُ
فــإذا طَـمِـعتَ كُـسـيتَ ثــوبَ مـذلَّـةٍ
فـلـقدْ كُـسـيَ ثــوبَ الـمَذلَّةِ أشـعبُ
وابــــدأْ عَــــدوَّكَ بـالـتـحـيّةِ ولــتَـكُـنْ
مـــنــهُ زمـــانَــكَ خــائــفـاً تــتــرقَّـبُ
واحــــــذرهُ إن لاقــيــتَـهُ مُـتَـبَـسِّـمـاً
فـالـلـيـثُ يــبــدو نــابُــهُ إذْ يــغْـضَـبُ
إنَّ الـــعـــدوُّ وإنْ تـــقـــادَمَ عـــهــدُهُ
فـالـحقدُ بــاقٍ فــي الـصُّـدورِ مُـغـيَّبُ
وإذا الــصَّــديــقٌ لــقـيـتَـهُ مُـتـمـلِّـقـاً
فـــهــوَ الـــعــدوُّ وحـــقُّــهُ يُــتـجـنَّـبُ
لا خــيـرَ فـــي ودِّ امـــريءٍ مُـتـمـلِّقٍ
حُـــلــوِ الــلـسـانِ وقــلـبـهُ يـتـلـهَّـبُ
يــلـقـاكَ يــحـلـفُ أنــــه بـــكَ واثـــقٌ
وإذا تــــوارَى عــنــكَ فــهـوَ الـعـقـرَبُ
يُـعـطيكَ مــن طَــرَفِ الـلِّسانِ حـلاوةً
ويَـــروغُ مــنـكَ كــمـا يــروغُ الـثّـعلبُ
وَصِـــلِ الــكـرامَ وإنْ رمـــوكَ بـجـفـوةٍ
فـالـصـفحُ عـنـهـمْ بـالـتَّـجاوزِ أصـــوَبُ
واخــتـرْ قـريـنَـكَ واصـطـنـعهُ تـفـاخـراً
إنَّ الـقـريـنَ إلـــى الـمُـقارنِ يُـنـسبُ
إنَّ الــغـنـيَ مــــن الــرجــالِ مُــكـرَّمٌ
وتـــراهُ يُــرجـى مـــا لــديـهِ ويُـرهـبُ
ويُــبَــشُّ بـالـتَّـرحيبِ عــنـدَ قــدومِـهِ
ويُـــقــامُ عــنــدَ ســلامــهِ ويُــقــرَّبُ
والــفــقـرُ شـــيــنٌ لــلـرِّجـالِ فــإنــه
حـقـاً يـهـونُ بــه الـشَّـريفُ الأنـسـبُ
واخــفـضْ جـنـاحَـكَ لـلأقـاربِ كُـلِّـهمْ
بــتـذلُّـلٍ واســمـحْ لــهـمْ إن أذنــبـوا
ودعِ الـكَـذوبَ فــلا يـكُـنْ لــكَ صـاحباً
إنَّ الــكـذوبَ يـشـيـنُ حُـــراً يَـصـحبُ
وزنِ الــكــلامَ إذا نــطـقـتَ ولا تــكـنْ
ثــرثــارةً فــــي كــــلِّ نـــادٍ تـخـطُـبُ
واحـفـظْ لـسـانَكَ واحـتـرزْ مـن لـفظِهِ
فـالـمـرءُ يَـسـلَـمُ بـالـلسانِ ويُـعـطَبُ
والــسِّــرُّ فـاكـتـمـهُ ولا تـنـطُـقْ بـــهِ
إنَّ الــزجـاجـةَ كـسـرُهـا لا يُـشـعَـبُ
وكـــذاكَ ســـرُّ الـمـرءِ إنْ لــمْ يُـطـوهِ
نــشـرتْـهُ ألــسـنـةٌ تــزيــدُ وتــكــذِبُ
لا تـحـرِصَـنْ فـالـحِـرصُ لـيـسَ بـزائـد
في الرِّزقِ بل يشقى الحريصُ ويتعبُ
ويـــظــلُّ مــلـهـوفـاً يـــــرومُ تــحـيّـلاً
والـــرِّزقُ لــيـسَ بـحـيـلةٍ يُـسـتجلَبُ
كــم عـاجـزٍ فــي الـناسِ يـأتي رزقُـهُ
رغَـــــداً ويُــحــرَمُ كَــيِّــسٌ ويُــخـيَّـبُ
وارعَ الأمــانــةَ والـخـيـانـةَ فـاجـتـنـبْ
واعـدِلْ ولا تـظلمْ يَـطبْ لـكَ مـكسَبُ
وإذا أصــابــكَ نــكـبـةٌ فــاصـبـرْ لــهــا
مــــن ذا رأيـــتَ مـسـلَّـماً لا يُـنْـكـبُ
وإذا رُمــيــتَ مــــن الــزمــانِ بـريـبـةٍ
أو نــالـكَ الأمـــرُ الأشـــقُّ الأصــعـبُ
فــاضـرعْ لــربّـك إنـــه أدنـــى لــمـنْ
يــدعـوهُ مـــن حـبـلِ الـوريـدِ وأقــربُ
كُـنْ مـا اسـتطعتَ عـن الأنـامِ بمعزِلٍ
إنَّ الـكـثـيرَ مـــن الـــوَرَى لا يُـصـحبُ
واحــــذرْ مُـصـاحـبـةَ الـلـئـيـم فــإنّــهُ
يُـعـدي كـما يُـعدي الـصحيحَ الأجـربُ
واحــذرْ مــن الـمـظلومِ سَـهماً صـائباً
واعــلــمْ بــــأنَّ دعــــاءَهُ لا يُــحـجَـبُ
وإذا رأيـــــتَ الـــــرِّزقَ عَــــزَّ بــبـلـدةٍ
وخـشـيتَ فـيـها أن يـضيقَ الـمذهبُ
فــارحـلْ فــأرضُ اللهِ واسـعـةَ الـفَـضَا
طـــولاً وعَــرضـاً شـرقُـهـا والـمـغـرِبُ
فـلـقدْ نـصـحتُكَ إنْ قـبـلتَ نـصـيحتي
فـالـنُّـصحُ أغـلـى مــا يُـبـاعُ ويُـوهَـبُ