هل سرقت من قبل؟

هل سرقت من قبل؟

 
إبراهيم محمد باداود- اقتصاديه

الفضاء مزدحم اليوم بالقنوات، وهي في تزايد مستمر بعد أن أصبح من السهل على كثيرين أن يقوموا بإنشاء قنوات فضائية، وتقدم هذه القنوات كل غث وسمين، كما تقدم كل صالح وطالح، وقد أصبح الناس اليوم في حيرة كبيرة ماذا يتابعون، ما أسهم في أن تركن بعض القنوات إلى التخصص في مجالات محددة كالقنوات الإخبارية أو الرياضية أو الاجتماعية أو قنوات الشعر أو الأفلام أو الأغاني أو غيرها من المجالات المختلفة.

بعض تلك القنوات تعمد إلى تقديم برامج خاصة بها وبعضها تهتم بأن تقدم برامج عالمية تحصل على حقوق بثها ومن تلك البرامج العالمية التي تبث من خلال إحدى القنوات الفضائية برنامج مسابقات يسمى (لحظة الحقيقة) أو ما يسمى The Moment Of Truth، وخلاصة فكرة هذا البرنامج أن المتسابق وقبل التصوير بقوم بالخضوع إلى جهاز كشف الكذب، حيث يطرح عليه 50 سؤالا محرجا وخاصا في حياته الشخصية وله علاقة إما بأسرته أو عمله أو أصدقائه ويتم تسجيل الإجابات ولا يتم إخطار المتسابق بالنتيجة، وعند التصوير وأمام الجمهور يتم اختيار عدد من تلك الأسئلة المعروفة إجابتها مسبقا لدى معدي البرنامج ومقارنتها بما يقول المتسابق أمام عائلته وأصدقائه ويحق للمتسابق أن يرفض الإجابة على سؤال واحد، وفي كل مرة يتم من خلالها مطابقة إجابة المتسابق مع الإجابات التي سبق أن سجلها جهاز كشف الكذب يحصل المتسابق على مبلغ من المال إلى أن يصل إلى مرحلة أخيرة يحصل من خلالها على قرابة 500 ألف ريال.

إلى هنا ففكرة البرنامج قد تكون مقبولة لدى البعض، لكن لو نظرنا إلى الأسئلة التي تعرض على المتسابق فسيجد الكثير أنها أسئلة غير مقبولة على الإطلاق ويرفضها العقل والمنطق، وقد شاهدت بعض حلقات هذا البرنامج، ووجدت بأن البرنامج عبارة عن تسويق للفضيحة مقابل المادة، فهو يقدم للمتسابق أسئلة مثل (هل سرقت من قبل؟)، (هل خنت زوجتك من قبل؟)، (هل تمنيت أن يموت أحد والديك؟)، و(هل تغار من صديقك في العمل؟)، وغيرها من الأسئلة التي تهدم أي علاقة تكون موجودة على كل المستويات الأسرية والعملية والأخلاقية وذلك فقط مقابل المال، بل وتشاهد كيف تصبح ملامح الوالدين أو الزوجة أو الأصدقاء والمتسابق أمامهم يعترف بأمور تقضي على تلك العلاقة، وكل ذلك من أجل المال ويقابله تصفيق كبير من قبل الحضور.

لم تنته المأساة هنا بل تطورت، إذ أقدمت إحدى القنوات على إصدار نسخة (عربية) من ذلك البرنامج، ولئن قلنا أن ذلك مجتمع غربي قد تقبل من أفراده تلك الاعترافات وقد يغض الطرف عن بعض ما في ذلك البرنامج من أسئلة جريئة، فماذا عن النسخة العربية والتي ستقدم في مجتمعاتنا لتحتفل بالفضائح التي يعترف بها الناس مقابل المال؟! فالولد يعترف أنه يتمنى أن ينتقم من والده وغيرها من الاعترافات التي قد لا أجد أنه من المناسب طرحها في المقال لكني على ثقة أنها لا تناسب مجتمعاتنا بأي حال من الأحوال.

للأسف فإن البعض ينساق وراء الإغراءات المادية ويركض خلف الشهرة ويصرح بأن أهم شيء لديه هو المادة وأن مجتمعنا لا يختلف عن المجتمعات الأخرى، وبالتالي فإن نسخ تلك البرامج يمكن أن تكون لدينا، ولكني أعتقد أن مثل تلك البرامج ستسهم في إضافة مزيد من السلبيات لما تقدمه تلك الفضائيات وستسهم في مزيد من الانحراف داخل الأسرة وبين أفراد المجتمع، فهل من إعادة نظر لطرح مثل تلك النسخة المشوهة من ذلك البرنامج المشوه؟!

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5