منزلة الشعر و الشعراء عند العرب

منزلة الشعر و الشعراء عند العرب

 

منزلة الشعر و الشعراء عند العرب

للشعر والشعراء عند العرب منزلة عظيمة ، ومكانة رفيعة خاصة عند القبيلة في عصر ما قبل الإسلام. فكان إذا نبغ شاعرٌ تحتفل به قبيلته، وتدق له طبول الفرح وتتباهى به عند القبائل الأخرى، فنبوغ الشاعر عند القبيلة أعظم درجة من الخطيب المفوَّه ، ويكاد يكون أعظم درجة من رئيسها وفارسها وذلك أنه يمجٍّد قبيلته ويرفع من قيمتها عند أعدائها وعند القبائل الأخرى ويحط من قيمة أعدائها، فهوالمنافح والمدافع عنها وهو الذي يسجِّل لها تاريخ مفاخرها و أمجادها ويباهي بمآثرها و يعظم من شأنها ويهِّول على أعدائها.

يقول الجاحظ "كانت العرب تحتال في تخليدها بإن تعتمد على الشعر الموزون والكلام المقفى، وكان ذلك هو ديوانها، وعلى أن الشعر يفيد فضيلة البيان.".

ومن أهمية الشاعر عند القبيلة أن أعداءها يتوددون إلى قبيلته مخافة من هجائه، وكان البيت الواحد من الشعر يرفع من شان القبيلة و يحط من منزلتها ، فالهجاء مفعوله أمض من السيف وافتك من النبال، حيث كانت القبائل في ذلك العصر تحارب أعداءها بالشعر قبل السيف. يقول الجاحظ "وهل أهلك عَنَزة وجَرماً وعُكلا وسَلول وباهلة وغنياً إلا الهجاء" . ومن أمثلة ذلك كان بنوأنف الناقة من بني تميم أن أحداً قسـَّم ناقة جزوراً ونسي أحد أبنائه فأرسلته أمه ولم يبق إلا رأس الناقة، فقال له أبوه شأنك هذا، فأدخل أصابعه في أنف الناقة وأخد يجره فلقبت القبيلة " ببني أنف الناقة ". وكانت العرب تستهزئ بهم وتسخر منهم، حتى إذا ُسئل أحدهم من أي قبيلة انت أجاب من بني قريع، حتى جاء الحطيئة ومدحهم من قصيدة منها الأبيات التالية :

سيري أمامَ فإنَّ الأكثرين حصَىً
والأكرمين إذا ما يُنْسبونَ أبا

قومٌ هم الأنفُ والأذناب غيرهمُ
ومنْ يسوِّي بأنف الناقةِ الذنبا

أبلغ سَراةَ بني سعدٍ مغلغلةً
هد الرِّسالة لا ألتاً ولا كذبا

بعد أن مدحهم الحطيئة إذا ُسئل أحدهم من أي قبيلة أنت قال باعتزاز وفخر: أنا من بني أنف الناقة. ويحكى عن الأعشى إنه لم يمدح قوماً إلا رفعهم ولم يهج قوماً إلا وضعهم ومن الذين مدحهم في شعره المحـَّـلق، وقصة المحـَّـلق كان أباً لثمان بنات عوانس رغبت عن خطبتهن الرجال لفقرهن، فطلب من الأعشى أن يمدحه وينوه بحسن ذكره في سوق عكاظ وما هي إلاّ سنة كاملة لم تبق جارية منهن إلا وقد تزوجت لسيد كريم في قومه .

ومن أهمية الشعر في ذلك العصر ، ما تكاد القصيدة تلقى حتى تتناقل بين القبائل، وتحدوا بها الحداة وتنتشرفي الوديان والسهول مثل الرياح، ومن سرعة انتشار القصيدة بين القبائل العربية يقول المسَّيب بن علس في ذلك:

فلأ هـديَّن مع الرياح قصيدة ً
ني مغـلغلـة إلى القعقاع ِِ

ترد الميــاه فما تزال غريبة
في القوم بين تمثل وسماع ِ

وكانت القبائل تعلّم صغارها وتحفظهم قصائد شاعرهم، وكان كل فرد في القبيلة يردد قصائد شاعرقبيلته افتخاراً بين القبائل الأخرى. وكانت قبيلة تغلب كثيراً ما تردد قصيدة شاعرها عمرو بن كلثوم حتى هجاهم شاعر بكربن وائل بقوله:

ألهت بني تغلب عن كل مكرمة ٍ
قصيدة قالها عمرو بن كلثوم ِ

يـروونها أبداً مذ كان أولهم
يا للرجال لشعر غير مـسئوم

وكذلك للشعر والشعراء منزلة سامية ، وقيمة عظيمة في صدر الإسلام، فيروى عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: سببتُ ابن فريعة (حسان بن ثابت) عند عائشة رضي الله عنها، فقالت: يا ابن أخي أقسمتُ عليك لما كففت عنه، فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له ويقول: " اللهم أيده بروح القدس".وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشتد عليه أذى قريش بالهجاء قال لأصحابه: " ما يمنعُ الذين نصروا الله ورسوله بأسلحتهم أن ينصروه بألسنتهم " ؟ فقال حسّان أنا لها؟ وضرب بلسانه الطويل أرنبة أنفه وقال: والله ما يسرني به مقول ما بين بُصرى وصنعاء، والله لووضعته على صخر لفلقه، أوعلى شَعَر لحلقه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : كيف تهجوهم وأنا منهم "؟ فقال: " أسُلك منهم كما تسل الشعرة من العجين". فقال صلى الله عليه وسلم: " أهجهم ومعك روح القدس.

وعن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري "مر من قبلك بتعلم الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق، وصواب الرأي، ومعرفة الأنساب. وكان ابن عباس رضي الله عنهما " يقول إذا قرأتم شيئاً من كتاب الله ولم تعرفوه فابتغوه في الشعرفإن الشعر ديوان العرب ."

ويروى عن الشريد الثقفي رضي الله عنه قال: استنشدني رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر أمية بن أبي الصلت فأنشدته فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هيه، هيه، الى أن أنشدته مائة قافية"

وعن الجاحظ " قيل لعبيد الله بن عبدالله بن عتبه بن مسعود التابعي الجليل وهو من كبار الفقهاء أتقول الشعر مع النسك والفضل والفقه ، فقال " لابد للمصدور أن ينفث"

ولقد كان أبوبكر الصديق رضى الله عنه راوية للشعر وكان يتمثل بقول الشعر وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يترك وافداً يفد عليه من قبائل البادية دون أن يسأله عن بعض شعرائها، وكان رضي الله عنه لايعرض له أمر إلا استشهد ببيت من الشعر.

و يروى عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: "جالستُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكثر من مائة مرة فكان أصحابه يتناشدون الأشعار في المسجد وأشياء من أمر الجاهلية، فربما تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان ابن المسِّيب المخزومي وهو من كبار وخيار التابعين و من أهل الصلاح والفقه والعلم في الدين يقول: " أما والله لو كان الشعر محرّماً لوردنا الرحبة كل يوم مراراً، (والرحبة المكان الذي تقام فيه الحدود). وقال رجل لمحمد بن سيرين وهو في المسجد في شهر رمضان عن إنشاد الشعر في شهر رمضان يقال إنها تنقض الوضوء، فأنشد:

نُبئتُ أن فتا ةً كنتَ تخطبها
عرقوبها مثل شهر الصوم في الطولِِ

وسأله آخر: ما تقول في الغزل ينشده الإنسان في المسجد؟ فسكت عنه حتى قامت الصلاة وتقدم إلى المحراب والتفت إلى السائل فأنشد من شعر الأعشى البيت التالي :

وتُبرد برد ... رداء العروس
في الصيف رقرقت فيه العبيرا

ثم قال: الله أكبر.

ويروى عن معاوية بن أبي سفيان كان يقول: "يجب على الرجل تأديب ولده والشعر أعلى مراتب الأدب". كما يروى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعمر وابن عبا س رضي الله عنهم أنهم من رواة الشعر فقد روي عنها أنها قالت: رَويت للبيد بن ربيعة العامري أكثرمن ألف بيت خلاف مارويت لغيره.

وعن قوة تأثير الشعر في القلوب والمشاعر أن قتيلة بنت النظر بن الحارث لما قتل النبي صلى الله عليه وسلم أباها يوم بدر قالت أبياتاً منها:

يا راكبًا إنَّ الأثيلَ مظنةٌ
في صبح خامسةٍ وأنت موفقُ

أبلغ بها مَيْتًا بأنَّ تحيةً
ما إن تزال بها النجائبُ تخفقُ

مني إليك وعبرة مسفوحةٌ
جادت بواكفها وأخرى تخنقُ

هل يسمعنّي "النضرُ" إن ناديتُهُ
أم كيف يسمع ميتٌ لا ينطقُ

أ"محمد" يا خيرَ ضنء كريمةٍ
في قومها والفحلُ فحلٌ معرِقُ

 

ما كان ضرَّكَ لو مننت وربما
نّ الفتى وهو المغيظ المْحنَق

أو كنت قابل فدية فلينفقن
بأعـزّ ما يغـلو به مـا ينــفـقُ

فلمَّا بلغت النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى اخضلت لحيتُه وقال " لو بلغني شعرُها قبل أن أقتله ما قتلته. والأمثلة على منزلة وأهمية الشعرعند العرب في عصر ما قبل الإسلام وبعده كثيرة لا تحصى .

من كتاب " موسوعة فرسان الشعر العربي "

 

Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

عدد المقيّمين 0 وإجمالي التقييمات 0

1 2 3 4 5